الاثنين، 21 يوليو 2008

الجدار





صغار كنا ..
نلعب بالقرب من حائط
شاهق الارتفاع ..
قاماتنا الصغيرة ...
تحرمنا من معرفة ما خلفه
ومخيلتنا .. المملوؤة بالحيرة
تتوقع اشياء كثيره
قصرا وحدائق
ونساء واطفال
او اسلحة وجبهات قتال
ويبقى السؤال ..
ما خلف الحائط ؟؟
وهو منذ زمن واقف صامت ..
مثل رجل عجوز ..
فقد شبابه والذاكرة ،
عالمه الغامض ..
يثير في عقولنا
الاسئلة ..
قال محمد :
خلفه جنود تموت ..
وساحات قتال ..
لكن علي قال :
خلفه سجن كبير
يبتلع عشرات الرجال ..
لكنني كنت اتصور
ان خلفه وطن جميل ..
وحدائق واطفال ..
لاتعرف ما الحرب ،
وبعد سنين ..
وفي يوم عاصف
سقط ذلك الواقف
لم نجد خلفه ..
الا سجن مهجور ،
ونوافذ محطمه ..
وعبق الموت والذكريات
تملأ المكان ..
وبقايا كلمات وقصائد ..
خطت على الحيطان ،
لا زالت اصواتنا .. وحيرتنا
الى الان ،
عن ذلك الحائط الشاهق الارتفاع ..
وعن الغموض
الذي يحيط بذلك المكان ..
عن كل شيء جميل ضاع ..
عن احلامنا ..
عن وطننا الذي اختفى خلف
هذا الشاهق الارتفاع ..

************

عندما تغادرين ..
سأكتب وصيتي
على هذا الجدران ..
ميت بعدك ..
في داخلي الانسان ..

*************

ارقبه ...
قادم من بعيد ،
مغمض العينين ..
لا يفرق بين احد ..
في احيائنا التي تنفست الموت ..
صباحا ومساء ..
وهم بعد حين ..
سيرحلون ..
ليسألوا الله ....
ماذا فعلنا لتقتلنا كلابك ..

**************
وجهي تغسله ..
دموع العابرين ،
نحو وهم جديد
يدعى وطن ...

*************

ما عدت استطيع ان ارسم
على وجهك ابتسامه ..
اصابعي مقطعة ..

**************

سأعبر بلا انتهاء ..
نحوكم ،
هذا المساء ..
كالدم المراق ،
حاملا معي ..
جراحي ..
اوراقي ،
وبقايا اشعاري ...
سأوزع عليكم
قصائدي ..
وبقايا حنيني ...
واحكي لكم ..
قصص واساطير
عن وهما يدعى الوطن ..
فإنتظروني ..

**************

صغار كنا ،
لا نرسم في كراريسنا ..
سوى الاسلحة ..
وساحات المعارك
والجنود ،
لم يعلمونا ان نرسم
اشجارا ،
او حدائق وردود ..
سرقوا طفولتنا منا ،
سرقوا الوطن ما ..
وعندما كبرنا
لم نجد شيئا ..
يستحق البقاء..

الخميس، 17 يوليو 2008

لا احد ينتظر هناك


دوي .. ضجيج .. بكاء .. وعويل نساء لا ينقطع .. لم اكن اشعر بشيء .. كنت مذهولا اقف وسط جموع صاخبة من رجال ونساء واطفال كانوا مذهولين من هول الصدمة .. تلفتوا يميناً وشمالاً .. بعدها صاحوا بصوت واحد .." هو من فعلها "
ركضوا نحوه تجمعوا حوله كان يبدو انه مذعوراً بشكل لا يصدق .. لم يحرك ساكناً .. ظل مستسلماً لهم .. كان لايزال يقف عند هيكل معدني محطم تشتعل النار في بعض من اجزائه ، امسكوه اخذوا يضربونه ويركلونه بارجلهم ... كنت اسمع صوت بكائه وتوسلاته التي لم تشفع له عندهم ..
ازادا زعيق سيارات الاسعاف .. كنت لا ازال اقف قرب شيئاً تناثر ولم يبقى منه سوى بقع حمراء و اجزاء متقطعة .. اقترب مني رجل شرطة كانت تختلط في وجهه علامات الحزن بالقرف ... ابتعد وهو يتمتم كلمات قليلة " الله اكبر ".
لازلت اسمع صراخهم وهم يضربونه بقوة ويتسألون " لماذا فعلتها ؟؟" .
ازاد الضجيج من حولي ومعه ازادت اصوات البكاء والعويل .. كنت ارى رجل يبكي بشدة وهو يردد اسماء ابنائه وطفل يبكي على والده ..وامراة تنحب على ابتها التي سوف تتزوج غداً.. اقترب احدهم .. كان يضع كمامة على انفه ويرتدي قفازات بلاستيكية حليبية اللون انتشرت فيه البقع الحمراء ، اخذ يجمع بقايا ذلك الشيء الذي كنت اقف بقربه كان يبدو انه كمن يجمع النفايات فعلامات القرف والانزعاج مرسومة في عينيه .. وضع كل تلك الاجزاء في كيس اسود .. توقفت تلك الجموع الغاضبة عن ضرب ذلك الذي يقف بقرب الهيكل المعدني الذي لا يزال مشتعلا .. كانوا مثلي منشغلين بمراقبة ذلك المشهد رجال شرطة يتراكضون هنا وهناك ..و الرجال المكممين الذين يلتقطون الاجزاء المتناثرة .. ورجال اخرين يحملون خراطيم المياه ليطفئوا الهياكل المعدنية المشتعلة .. وسيارات الاسعاف التي لم تكف عن الزعيق ، التفت نحو ذلك الذي اوسعته الجموع الغاصبة ضرباً .. كان لايزال مشوشا يتلفت يميناً ويساراً ، كان وجماً .. نظراته كلها رعب وخوف وكأنه يترقب شيء تأخر حدوثه او انه ينتظر احداً تأخر عن الحضور.. تحركت من مكاني الذي كنت اقف فيه لفترة لا اعرف طولها .. اقتربت منه .. ازاد توتره اخذ ينظر نحوي برعب ، حاول ان يتراجع لخطوات الى الوراء .. لكن شيئاً ما منعه ، وقفت بجانبه لم انطق بأي كلمة ابتعد عني قليلاً ، اقترب رجل يحمل خرطوم ماء اطفأ النار التي كانت تشتعل باجزاء ذلك الهيكل المعدني الذي كنا نقف بقربه .. نظرت له بعدها نقلت نظري الى تلك الحشود التي بدأت تتناقص شيئاً فشيء.. خرج مني كلمة كان وقعها كوقع الصاعقة عليه ..
- شكراً لك ....
التفت لي وكأنه لا يصدق ما سمعه لكنه لم ينطق بأي كلمة، كان ينظر لي بحذر .. اكملت بهدوء دون ان انظر له :
- لقد فكرت اكثر من الف مرة بالتوقف والتخلص من ذلك الشيء الكريه ، لكنني لم أكن املك الشجاعة الكافية.. لم استطع ان افعلها لاخرج من هذ اللعبة اللعينة ..
كان لا يزال ينصت وكأنه تناسى خوفه وذلك الشيء الذي كان ينتظره بقلق واضح ، كان الهدوء يعود تدريجيا الى ذلك المكان.. وقبل ان اكمل اقترب من الهيكل المعدني الذي يقبع خلفنا رجل يحمل الة تصوير .. دار حول الهيكل وبعد دقائق قليلة غادر ، انتشر رجال الشرطة حول المكان .. بينما غادرت سيارات الاسعاف .. لم اكن ارى احد من ذلك الجمع الغاضب الا قليل من الاطفال التي لاتزال تلعب وتتراكض هنا وهناك وتتعالى اصوات ضحكاتهم .. وبعض الرجال والنساء المسنين الذين افترشوا الارصفة كف الجميع عن البكاء وكأنهم ادركوا ان الشيء الذي سلب منهم عنوة لا يستحق ذرف دمعة واحد ة ، كانت نظراته لاتزال غير مستقره فتارة ينظر لي وتارة اخرى يتطلع لما حوله بحذر .. اكملت حديثي الذي لم اكن انتظر منه اي رد ...
- يلومك الجميع على فعلتك ويسائلون لماذا فعلتها ؟؟ وانا الوحيد الذي لا يحب ان يعرف لماذا فعلتها فهذا امر يعنيك وقد تكون مخطأ ً.. مدفوعاً بوهم كبير ووعود فارغة ولكن ما يعنيني في الامر كله هو هذا المكان الذي وصلت له وهذه الحقيقة التي عرفتها بعد حين ، والشيء الاخر هو انني تخلصت من ذلك الشيء الكريه الذي حبست في داخله لاكثر من ثلاثين عاماً .. كم كنت اكره ذالك الشيء المترهل وتلك الملامح القبيحة ..
كان لا يزال ينظر لي بإستغراب شديد لم ارى في ملامح وجهه المرتقبة بخوف اي رغبة في الكلام .. ربما كان نادماً ، وربما شعر اخيراً انها كان مجرد احمق انصاع بلا شعور لاشخاص مخادعين زرعوا في رأسه اوهام لا حصر لها وهو الان يقف محتاراً بعد اكتشف انه لم يفعل اي شيء سوى انه كان السبب في كل هذه الفوضى .. اتصور انه يراجع حساباته ..قد يردد مع نفسه يا الهي ما فعلت ؟؟
لكنني واصلت حديثي وهو واصل انصاته لي لكنه اخذ ينظر الى الارض اكثر مما ينظر لما حوله كما كان في السابق ..
- هل تراك تتسأل مثلي عن مغزى كل هذا .. انا كنت اتصور ان ما يأتي بعد الحياة هو السلام والهدوء .. الحرية .. الا تعتقد اننا وجدنا محبوسين في اجساد كريهة وفي حياة لم تكن لنا اي حق في الاختيار " صمت للحظات وبعدها اكملت حديثي سائلا " الا تعتقد اننا نطارد الاوهام .. حتى انت كنت تطارد وهماً كبير .. انظر حولك ماذا حدث ؟؟ كنت تتصور ان احداً سيكون في استقبالك .. يهلهل لك " ضحكت واستدركت قائلاً " لكنه لن يأتي صدقني ..
اتصور انه بكى .. لا استطيع ان اتخيل شعوره . شعور رهيب بالخديعة .. بالفشل .. كانت يتصور انه سيجد كل ما وعدوه به ، لكنه لم يجد الا الفراغ والانتظار السحيق ..
- اتعلم انني منذ سنوات انتظر هذه اللحظة .. لحظة الخلاص، سنوات مرت وكل سنة لاشيء تحمل الا المزيد من اللعنات .. كنت اتصور ان هولاء افضل ممن سبقوهم لكن لا شيء تغير وجوه قذرة ملساء ذهبت لتحل مكانها وجوه قذرة ملتحية ومزيداً من الاوهام .. وهم يتبعه وهم وسلسلة لا تنتهي..
انهار فجأة .. وخر جالساً .. سمعت بكائه الممزوج بيأسه، لحظتها شعرت بالضيق وربما الشفقة عليه لانه لم يجد الا الوهم بأنتظاره .. تركته في مكانه ينتظر احداً لن يأتي غادرت مبتعداً عنه كان الاطفال لا يزالون يلعبون في نفس المكان كنت اسمع صوت ضحكاتهم التي طغت على كل الاصوات .. لم اكن اعرف في ليل ام نهار نحن .. لكني كنت اشعر بالغبطة فهذا العالم المجهول الذي يخشاه كثيرين جميلُ وهادىء بشكل لا يصدق فقد غادرته تلك القوى المجهولة .
اذار \2007
بغداد

رائحة الخبز




للحزن ذاكرة لا تمحى فيها الصور مهما تقادمت ، اذكر انني حاولت كثير ا ان اتخيل لك الجسد
وذلك الشعر الطويل وتلك الرائحة التي يختلط فيها عبق حقول الحنطة مع رائحة التراب المبلل .. كنت صامتا لا اجد اي كلمة اقولها امام كلماته المتدفقة كانها اعتراف رجل يحتضر .. رغم انه حاول جاهدا ان يخفي اشياء كثيرة حاول ان يبقيها سرا يحمله معه الى قبره .. صمت للحظات .. تاركا للدخان يدخل فمه ليخرج معه سيل من الكلمات .. كانت سيجارته شارف على النهاية لكنه اشعل ببقاياها سيجارة اخرى ..
" اذكر انها دخلت الى مكتبي ذات صباح .. وجها متعب وعيون ذابلة تحفي خلفها حزن عميق .. كانت متشحة بالسواد .. لا زلت الى الان اذكر لون عبائتها التي اختلط السواد فيها باللون الرمادي .. لم ارى في حياتي جمالا مثل جمالها ، جمال اطره حزن موغل بالسنين .."
كنت لا ازال صامتا اراقب ارتعاشة يده التي يضع بين اصابعها سيجارة يقربها بين كلمة واخرى من فمه ليسحب منها نفسا عميق .. كانت عيونه تتحدث قبل فمه .. وقبل ان اسئله عن ملامح وجها بدأ يرسمها امامي بكلماته وملا مح وجهه التي ارتسم عليها حزن عميق ..
" كانت سمراء بلون الحنطة .. انف دقيق .. وفم مرسوم ..و عيون سوداء واسعة .. عندما رايتها ذكرتني باهوار الجنوب ونخيل البصرة.. وبيوت الطين في العمارة .. كانت تختزل الجنوب كله .. جماله وانهاره .. وعبق حقول الحنطة واحزانه واشعاره الغارقة بالحزن والحنين لوطن .. كانت لوحة رسمها شاعر شعبي ورسام ومغني جنوبي يغني باطوار الحياوي والمحمداوي .. منذ اول لحظة رأيتها فيها خفق قلبي .. وشدني اليها كل شيء .. حتى صوتها الذي خرج منها على استحياء"
كانت سحب الدخان تحجب عني جزء من وجه ، لكني لازلت انصت لكلماته ..احول رسم صورتها في مخيلتي كنت اتمنى لو انني استطيع ان اغمض عيني لكي تكتمل ملامحها لكنني لم استطع فملامح وجه التي تتزاحم عليه قبائل من الاحزان جعلتني اتامل وجهه اقرأ من خلاله قصة امراة تختزل مدن عديده باحزانها وهمومها وحتى لحظات الفرح القليلة .
" يومها اهتميت بقضيتها لدرجة احست هي بذلك كانت وعندما همت بالمغادرة شكرتني لكنني طلبت منها اخذ رقم هاتفي لتتصل بي متى ما احتاجت لاي شيء والشيء الذي افرحني كثيرا انه لم تعترض بل انها اخذته وهي تحاول ان تخفي فرحتها به او انني هكذا تصورت .. لا ادري لماذا شعرت حينها انها احبتني او انها شعرت انني وقعت في غرامها.. بل انها عرفت بكل ما جال في داخلي.. وغادرت .. حزنت لرحيلها لكن ما خفف حزني امرين الاول هو انني كنت واثقا انها سوف تتصل بي و الاخر هو انني كنت اعرف عنوان بيتها الذي دونته في اوراق قضيتها .. مرت ايام ثلاث وانا انتظر ان اسمع صوتها عبر الهاتف .. كانت هذه الايام كأنها دهور، كنت كل صباح عندما اتوجه الى عملي لا شيء افعل سوى انتظار مكالمتها حتى عندما اضطر لترك مكتبي اوصي زميلي بانني انتظر اتصال مهم ان اتصل بي قل لهم موعد رجوعي الى المكتب .. في اليوم الثالث راودتني فكرة الذهاب الى منزلها سوف اتحجج باي حجة حتى لو انها لن تستقبلني المهم ان تعرف انني افكر بها وانني لن اتوقف عن محاولة الوصول لها ..و لكن حدث ما كنت انتظره .. رن جرس الهاتف .. كانت هي لم اصدق كدت اطير من الفرح حتى انني كنت اريد ان اعاتبها عن كل هذه الايام التي مرت .. لكن ما كبح جماح اشتياقي لها ما قالته كانت واثقة تماماً .. لدرجة انها كانت تتكلم وهي تشعر بانها قد انتصرت علي ..
- لقد كنت تنتظر هذا الاتصال بفارغ من الصبر وكنت اعرف ان انتظارك طال ..
حاولت ان ابين لها انها على خطأ وانني لم اكن انتظر اي شيء .. لكنها ضحكت ..
- لا تكابر اعترف بانك كنت تنتظر هذه المكالمة ..
لم استطع الاستمرار .. لم استطع المقاومة اكثر .. كنت اشعر امامها بضعف شديد لم استطع ان اخفي اي شيء اعترفت لها بانني كنت قد قررت ان أتي الى بيتها هذا اليوم اذا لم تتصل وانني كدت اجن .. ضحكت بدلال وقالت
- كنت اتوقعه منك هذا .. بل كنت اتمناه ..كنت اعرف انك تفكر بي منذ اول لحظة وقعت عيناك علي شعرت بان ذبت فيه ..
لا اعرف ماذا حدث لي لحظتها استسلمت امامها بسهولة لقد عشقتها لحد الهيام .. استمرت مكالماتنا لاشهر كانت ترفض اي لقاء عرفت عنها كل شيء وهي كذلك .. كانت تقول لي بما تفكر .. وبما تشعر.. لقد احببتها اكثر .. استطعت اقناعها باللقاء والتقينا .. كنت مثل مراهق يواعد لاول مرة اشتريت ملابس جديدة .. تعطرت بارقى عطر، استمر اللقاء لساعة واحدة قلت فيها احبك مئات المرات .. رغم انها كانت متحفظة لكنني ايقنت انها تحبني بعدها التقينا مرات عديدة حكت لي قصة حياتها بتفاصيلها وكيف انها تزوجت من ابن عمها الذي مات في الحرب منذ ما يقارب عقدين تاركا لها اربعة ابناء تزوج اثنين منهم.. عرضت عليها ان نتزوج بشكل سري بسب كما تعرف انني متزوج ولي اطفال.. رفضت في البداية بشدة حتى لوكان زواجا علني ولكنها وافقت بعدها بأشهر .. كنت اعرف انها سوف تستسلم لي في النهاية كنت اشعر بتلك الرغبة المكبوته منذ سنوات .. اتفقنا على السفر الى كربلاء لنتزوج على يد احد رجال الدين لم تكن هناك ورقة مكتوبة اوعقد مجرد شهود اثنين حتى انني لم اعرفهم لكنها كانت راضية بكل شيء..
بعدها قضيتا ليلة في احد الفنادق .. طلبت مني انا اغادر الغرفة لنصف ساعة لم اسألها لماذا غادرت .. وعندما عدت تفاجأت .. جسد فارع يغطيه شعر يصل الى اغمس قدمها .. كانه جسد فتاة في العشرين
قالت لي انها تفرد شعرها على كتف رجل منذ وفاة زوجها.. وانه منذ رحيله وهي صائمة عن الرجال قضيت مها ليلة لن انسها ابداً.. ولكن ما شدني اليها رائحة جسدها الذي يشبه في شذاه رائحة الخبز الحار .. كنت كلما التقيها اشم جسدها لازلت اتذكر تلك الرائحة سألتها لاكثر من مرة عن سر هذه الرائحة لكنها لم تعطيني اي جواب مقنع تصورت في الباديه انها تستخدم عطرا ما لكنني مع الايام اكتشفت ان رائحة جسدها مثل رائحة الخبز الحار ، استمر زواجنا لاكثر من سنة بعدها افترقنا بسبب ظروفي..خاصة بعد تركي للعمل..لم اراها بعدها لكني الى الان دائما عندما اشتاق لها ولرائحة جسدها اشم رغيف خبز حار .. احيانا اتوقف عند اي مخبز واطلب من الخباز رغيف خبز للتو اخرجه من الفرن اشمه واتذكرها ..
كنت لا ازال صامتا انظر الى عينيه المخنوق فيهما الدمع .. ولم استطع ان انطق اي كلمة ،وفي انفي اختلطت رائحة القمح والطين رائحة جسدها .. الذي لايزال يذكره كلما شم رغيف خبز حار..


اذار- 2007
بغداد








ما بيننا
أن ما بيننا
غموض ..
ولغة حوار خرساء
وسراب
ومدن لاتشرب غير الدماء
ومسافات شاسعة ..
وقارات
لاتعرف غير الحروب والجوع والبغاء
وشعوب تحلم برغيف خبز
والهة خبز لا تعرف الفقراء
ان ما بيننا ..
زمن لازمن له
ومكان لا يعرفه المكان
وحديث أصم
تموت فيه الكلمات
فوق أسطح ميتة
وحبا لاتعرفه غير هذه الشاشات
أن ما بيننا
أبحر من دموع
وموانئ خيبة
وسفن انتظار
وقبور مهجورة
وشوارع مقفرة
ومدن لا يفارقها الموت لحظة
أن ما بيننا
أشلاء مشاعر
وجثث من الكلمات
وحب ولا حب
وخوف ولا خوف
ورعب ولا رعب
ولقاء يأتي
ولا يأتي
وهما
احسبه حب



من اعترافات رجل على حافة الحب


((أنا منفيا داخل نفسي وخارجها.. ميت حي .. مبصر اعمى .. في حوار ابديا اخرس مع موتي في رحلة الليل والنهار)) عبد الوهاب البياتي


بعد ان قرأت اعترافي ... ماذا قلت عني ؟؟؟؟
صحيح ان حزنا اصابني مصحوبا بندم شديد ... يا الهي ماذا فعلت؟؟؟؟
ماذا ستقول عني ... مجنون ... ام احمق...
ففي وطنا يباح فيه كل شيء... القتل والدمار ..التهجير والتعذيب والخطف ... الا الحب فهو محرم ...
فلحاهم القذرة وعمائمهم التي تخفي تحتها غباء وجهل وحقدا وكراهية ..تبيح لقاتليهم كل شيء ... دمنا ولحمنا .. جلودنا .. وخبز وسنابلنا .. لكنها تحرم الحب ... لانه يسمو فوق الاشياء .. ولا تحده الاماكن .. ولا يعرف المذهبية او الطائفية .. ولا تحده فدراليات الظلام ....

فهل يوجد حب في وطن مصادر ... محتل ... مباح ... يبيعه المعممين والمحجبين والملتحين ....
هل يوجد حب سيدتي في وطن يفطر على الدم ..وينام على الدم .. ويشرب الدمع والدم .. ويتنفس الدخان ...وطنا من شماله لجنوبه جرحا ينزف ...
ثم هل هذا زمن الحب والاميرات والشعراء الحالمين ... ام انه زمن القتل والارهاب ..والسراق والسياسيين السفلة ورجال الدين المدمنين على الدم ..
وهل هذا عراق الورد والعصافير .. ام هو عراق المفخخات ودوي القنابل والموت المجاني ...
ربما اكون مجنونا لانني احمل وردة في زمن القتل ...فانا اقف وسط جموعا من الحمقى والمجرمين الذين يحملون خناجر تقطر دما .. وانا الوحيد الذي يحمل زهرة بيضاء وقلبا ينبض حبا وحنين .. لاقدمه لك ......
فمن هو المجنون .. انا ام هولاء .. ام انت ..لانك ان قبلتي هذه الوردة وهذا القلب مني فهو الجنون بعينه ..
سيدتي
وحدي انا ارسم عراقً اتقاسمه مع كل الفقراء ..عراق ينبض حبا مثل قلبي .. عراق يلف ذراعيه حول كل هولاء الخائفين .. الباحثين عن وطناً بين هذه الانقاض ..
وحدي انا ... كل مساء ..اطرق ابوابهم تاركاً عندها ارغفة روحي وقلبي عسى ان تشبع جوعهم.. ولكني في الصباح اجدها في مزابلهم دون ان تاكل منها احد ... لان لا مكان للحب في وطنا يقتل فيه الحب كل لحظة ..لا مكان للحلم في وطنا يغتال فيه الحلم كل مساء ..
اميرتي
ربما تسألت مع نفسك اكثر من مرة ..
ما يردمني رجل يطل بكلماته من خلال شاشة باردة ..يزرع ازهاره في ارض لم تذق غير طعم الجثث .. ولكن حتى انا لا ملك أي اجابة لتساؤلاتك هذه ..
لانني وجدت نفسي مصلوبا على صليب كراهيتهم معي وطني وشعب يحلم بالخلاص بعد ان دقوا مسامير الخيبة في جسدي ..
ولكني رايت وانا انزف عمري ووجودي من فوق الصليب وجه "مريم " يمسح بنظراته كل جراحي .. فتطيب .. ويزل عني كل الالم ...
وعندما انزلوني من الصليب .. رموني خلف اسلاك كراهيتهم الشائكة ..اسوار عالية وساحة مربعة تخافها الشمس .. اذكر انني فاوضتهم طويلا على قصاصة جريدة زينتها صورتك.. وجه يختزل فيه كل احزان العراق وغربة اهله وحنينهم لوطن معافى .. وبعد الحاح مني قبلوا ان يمنحوني تلك القصاصة التي كانت هي كوتي الى عالم الحرية ...
كنت اتامل كل مساء ذلك الوجه الذي رسمه الله بدمعه ..لانني عشقت من خلاله كل العراق واحزانه ..ودجلته وفراته ..لانني عشقت من خلالك كل نخيله الباسقات ..
كنت ارى في عينيك "وطنا الدمع " غدا ياتي يغرد فيه طائر الحرية .. ليحملني خلف هذه الاسوار العالية .. لعلي التقي بك .. رغم انك تسكنين ثنايا روحي
وبعد كل هذا هل تراك لا زلتي تتساءلين من

من اوراق رجل على حافة الحب


عذراً
لانني اقتحمت حياتك مثل عاصفة
ولانني افشيت بسر حبي لك لكل العصافير
ولانني رسمتك على كراريس الاطفال .. وردة
ولانني اتخذتك وطناً ..بعدما استباح وطن كل الكلاب الجائعة التي قدمت من خارج حدود هذا القلب
ولانني ابدلت كل نخيل العراق بك
ولانني استعنت بعينك عن ليل العراق الموحش
فهل ما فعلت عين الصواب؟؟؟؟
ربما لا يتسع وقتك لكلماتي ... ربما انت امراة تركت خلفها كل شيء حتى قلبها
ولكن يا اميرة
تركت لهم كل شيء ... وطني ..دجلة والفرات .. وقبائل تتصارع
وذئاب تنهش لحم اهلي .. لكنني لم اترك معبودتي تاتي حلمت بها مثلما حلمت بالحرية
صاحبة الوجه الحزين الذي انساني عذابات سجني
احبك ..سابقى
لان حبك هو الفرحة والعزاء
هو الوجود

من اعترافات رجل على حافة الحب




كنت قد قررت قبل ان اسمع صوتك .. ان اتوقف .. او احاول هذا ..قلت معي هي لن تهتم لكلماتي .. لمشاعري تجاهها
ولا اخفي عليك انني حزنت جدا .. لانك كنت لي الوطن والانتماء
تخيلي اميرتي ان يعيش المرء بلا وطن .. وان لا ياكل من خبز روحه احد
الى ان خرج صوتك من سماعة الهاتف كعصفور طرت معه الى كل الافاق .. كان صوتك جزء لا يتجزأ من حياتي ..حمل لي الفرح .. والغبطة
كان كصوت مأذنه ..او جرس كنيسة
لا تتصورين مقدار فرحتي .. اصبح الحلم حقيقة .. صارت تعرفني .. تتحدث معي عن حياتها ..همومها ..وعشقها للعراق الذي اتمنى ان اشاركه في هذا العشق .. اتمنى ان اجد في قلبها ركنا صغير اغفو فيه .. اكمل كتابة قصائدي
كنت اتمنى ان لا انطق بكلمة واحدة .. استمع فقط لذلك الصوت القدسي الذي حملني بعيدا ليذكرني بصوت دجلة هو يبوح بحبه لمدن الجنوب الحزينة بعد ان يجتاز سدة الكوت

شكرا لك
فصوتك حمامة بيضاء حلقت في عالمي
لم اكن اتصور ان امراة تعمر وطنا في داخلي .. تخترعه ..وتمنحه شمسها وحضارتها
شكرا لانك .. وطني
وجهك وطني ..صوتك وطني .. وفي هذا الوطن ولدت
وفي هذا الوطن اتمنى ان اموت
عندما تحدثتي عن الموت .. حزنت جدا
اخاف ان افقدك
اخاف ان افقد وطني
وتاريخي الذي ابتدأ لحظة احببتك
احبك
يا وطني
ويا نصفي

من اوراق رجل على حافة الحب


هم قرروا ان يمنحوك جائزة ..لانك امراة شجاعة ..ولانك مستشارة ..ولانك تفهمين لعبة السياسة
ولانك بالنسبة لهم سلما للوصول
وانا قررت ان امنحك قلبي ..لانك امراة رائعة ..امراة فوق العادة
ولان عيونك المغرورقة بالدمع المخنوق تذكرني باهوار الجنوب .. ولان وجهك يذكرني برغيف خبز للتو اخرجته فلاحة جنوبية من تنورها الطيني
ولانك نافستي كل نخيل العراق بالشموخ والعطاء
ولانك اصبحت لي عراق يختلف عن عراقهم الذي يقتل فيه ويهجر وينفى كل العصافير والفراشات
هم قرروا ان يمنحوك الجائزة مع كل ما تحملينه من مسميات
وانا قررت ان امنحك قلبي لانك حبيبتي
فأي جائزة تقبلين؟؟؟

من اعترافات رجل على حافة الحب


عندما اعلنت حبك
كنت اعلم ، ان كل هولاء المتعفنة عقولهم سيقفون ضدي
لانني حين كتبت اسمك قصيدة على اوراق الورد فقد اخترعت ابجدية جديدة
وعندما اخترنك اميرة
كنت اعلم ان كل الدعاة سيعترضون ... لانهم لا يعرفون ان العصافير اختارتك اميرة لها .. وان كل الفراشات صوتت لك بديمقراطية الحب
عندما اعلنت حبي لك
كنت اعلم .. انني اغير ملامح هذا الوطن
اغير جغرافيته وتاريخه الممزق بالحروب والصراعات
وانني اقود انقلابا على كل احزابهم ومليشياتهم ..وفوهات بنادقهم التي لاتفهم معنى الحب
حين اعلنت حبي لك
تأكدت ان تلك الطفلة التي فضلتك على الرسوم المتحركة ..كانت على حق
وتلك المراة العجوز عندما كانت تسمع احاديثك.. كانت على حق
وقلبي الذي احبك ..كان على حق
لانك
شهية.. كالعسل
وصافية.. كماء دجلة
ومذهلة.. كالبدر
ومدهشة ..كالاطفال
وبريئة.. كصداري التلميذات
ولانك
الانثى الوحيدة على ارض العراق يختلط دجلة بعينيها
يا وردتي .. ونجمتي .. واميرتي .. وتاج راسي
ربما اكون مراهقا ..وفوضوي التفكير ..او مجنون
لان حبك هو الجنون

من اوراق رجل على حافة الحب


سألتني اشلائهم ..وبقايا جثثهم ..اي حب هذا الذي تبوح به في زمن القتل الجماعي ..والموت بالجملة
واين ذلك الحائط الذي ترسم عليه وجه حبيبتك وكل الحيطان مصبوغة بدمائنا
لم استطع ان اجيبهم .. لانني حزين ..حزين جدا ..حزين مثل حزن المسيح ..ماذا اعل لهم من فوق الصليب؟؟
ارى اجسادهم تتحول ..الى اشلاء ..اشلاء
وروحت تنزف معهم ..بعد ان مزقتها اوجاعهم والامهم
وجراحهم التي غسلت بنزيفها كل شيء ..حتى وجه القمر الذي يذكرني بوجهك
ماذا افعل لهم ؟؟
مثلهم انا اشلاء متناثرة ..اليس هذا الوطن الذي حلمتم به منذ سنوات ..اليس هذا عراقكم الذي لا يهب لابنائه غير الموت والغربة والضياع
اليس من حقي ان اتخلى عنه ..من اجل عراقي الذي لا تحلق في سماء عيونه الغربان ..ولاتدب في ارضه العقارب ..ولاتقطع في قلبه الزهور ..وهم لا يمكنهم ان يغتالوه لا بمسدساتهم الكاتمة او رجالهم المحجبين..هو باقاً رغم عنكم ..وصوت حبي له اعلى من اصوات انفجاراتكم ..واقوى من اسلحتكم وسياراتكم المفخخة
حبيبتي مريم باقية الهه خصب تمنح الحياة رونقاً خاصا ..تمنح الحقول غلة اوفر ..ودجلة والفرات الماء السمك
والنخيل الرطب والتمر
بدمعها سأتوضى ..لاصلي عل اشلائكم
اردد في صلاتي اسمها فقط

فهي اعظم صلاة

من اوراق رجل على حافة الحب




هم يطبقون خطة امنية لطرد المسلحين من قلب بغداد ... وانا اطبق خطة لابعادك عن قلبي ..محاولا وقف سطوتك على هذا الخافق من بين الرماد ... ولكنني يا ميرتي افشل ..لانك تحتلين كريات دمي .. وتفجرين كل اكوام الفشل واليأس والخوف في داخلي
فشلت كل المحاولات ومبادرات المصالحة ..بين قلبي وكرامتي ..بين قلبي وعقلي .. احاول ان اتوقف ..احاول ان لا اكتب لك لانك لا تهتمين
لكني اصبحت هشا امامك ..اه ما اضعفني
لقد ادمنتك .. ادمنت وجهك .. صوتك .. عيناك
لكني مع هذا لازلت ادعوا الله جاهدا ان اتوقف .. ان انساك ..ان تنجح خطتي لابعادك عن قلبي .. ان اوقف هذا الادمان
لكني يوما بعد اخر .. ازداد ادمانا .. ازداد حبا .. ازداد ضعفا .... لانك تحتلين حياتي .. كل حياتي .. اوراقي .... ليلي نهاري
كلماتي التي تحلق كالفراشات فوق الورق لاتعرف غير زهرة تحط عليها
كل ليالي اقضيها معك ..كل نهاري اقضيه معك ..احدثك عني .. عن حزني ..عن حبي
كل ليلة اكتب لك مئات الكلمات ..لكني في الصباح امزقها ..متسائلا مع نفسي ما تفعل لي هذه الكلمات .. ما يفعل لي هذا الحب هي رمت قلبها خلفها وتناسته ..فلماذا اعذب نفسي بهذا الحب
هي لاتعرفني ..لاتفكر بي ..لم تاكل من خبز روحي .. لم تشرب من دمعي
ما فائدة انه تكوني مليكة روحي

دون ان تحكمين

من اوراق رجل على حافة الحب


حبي لك مثل مدننا محاصر .. بالخوف .. بالموت ..بالكلاب والجنود
ليس لديه املا في البقاء .. فالحواجز تضيق عليه .. تفتشه من راسه حتى اخمس قدمه .. لانه غريب
لا احد يعرفه .. لا احد يعترف به .. لان في ارضه تنمو الازهار وتعلب الاطفال دون خوف .. وتغرد فيه البلابل كل صباح
حبي .. غريب .. عصي عن الفهم
مطاردا في زمن اللاحب
حبي نبي .. بلا كتاب او اتباع .. غريب في وطن مباح كل شيء فيه .. الا تعاليمه
مسكين هذا الوطن الذي يقتل فيه كل شيء جميل كل يوم
مسكين هذا الوطن الذي استباحه الغرباء ورجال الدين ولانبياء الكاذبين
مسكينة انت .. لانك تتساءلين لماذا احبك؟؟

من رسائل رجل على حافة الحب


ارتجفت كالمحموم ... وبكيت بصمت وانا اغسل مسامعي بصوتك الملائكي
من بين اطنان من الحزن جاني صوتك ليعيد لخلايا جسدي المحتضرة الحياة
كانت دموعي تتساقط .. مطر ابيض يصبغ ذلك السواد المميت
ماذا فعلت ؟؟؟؟؟
ماذا فعلت برجل استباحته قبائل الاحزان
ماذا فعلت برجل خسؤ كل شيء..عمره ...وطنه ..وحلمه...وكله خوف من ان يخسرك
اه ..كم احبك
كلماتي اكثر شجاعة مني
فحبك الذي اعاد نسج روحي الممزقة ورسم قوس قزح يمتد من روحك الطاهرة لروحي المعذبة
حبك اعطاني بريق امل
الملم ما تبقى مني .. واقف صارخا بهم ..خذو كل شي وطني الذي لم يكن لي يوما من الايام
ولكن دعوها لي فهي وطني الذي لم يدنسه احدا ..هي وطني العصي على الاحتلال
هي وطن كل الفراشات والعصافير
ومن وجهها الشمس تتعطر كل صباح لتشرق على هذا العالم المجنون بالحروب والقتل
اه .. لو تعرفون حبيبتي هذا الوطن الذي تشدو بحبه كل الاطفال والسنابل
وطن الربيع
ودجلة
وكل البلابل

شلل


لا شيء طوعك .. تمردت عليك كل أعضائك .. أصبحت لا تتحكم بشيء سوى جفونك .. وعيونك التي تنقلها على كل شيء حولك .. سرير معدني مكسور .. منضدة خشبية تعبة .. ونافذة مكسور فيها الزجاج .. شعرت بالعطش .. نقلت عيونك على تلك المنضدة الخشبية التعبة .. من جديد فهناك يستقر قدح ماء .. عطش شديد يلف أصابعه اليابسة حول عنقك .. لا تستطيع أن تفعل شيئا .. فقد أصبحت جزءا من هذا المقعد الذي رموك علية وذهبوا . في لحظة .. قررت أن تكبح جماح هذا التمرد وتعيد كل أعضائك إلى طاعتك .. نهضت بصعوبة بالغة وقفت لثواني ولكنك هويت على وجهك سقطت مرتطما بالمنضدة التي هوت هي الأخرى وبعد لحظات .. زجاج متناثر .. وبركة ماء صغيرة .. وعطش باقي ..

وهم


وأخيرا إعترفت لي بحبها بعد ثلاث سنوات ملئت فيها مئات الصفحات قلت فيها كل كلمات الحب .. تلوعت وإحترقت عند شباكها ملايين المرات . وأخيرا .. وكتبت لي بعد صمت مطبق تصورت أنه أزلي .. ماذا تريد مني ؟ حياتي قبلك كانت هادئة لم تذق طعم العواصف فجاء أنت هو بكل عواصف قلقك وضياعك عاصفا بكل هدوئها .. لطالما تجاهلتك .. لطالما تصنعت اللامبالاة .. لطالما قلت مع نفسي كذبا كل كلماتك ، لكنك زرعت في أرضي القاحلة بذرة صغيرة نمت دون أراده مني وأزهرت حبا وخوفا . كم يرعبني تناقضه الغريب ، هو متناقض ، لا يستقر على حال .. تارة يقول لي إنه يحبني حد الهيام وتارة أخرى يقول لي بأنه يكرهني حد المقت لكنه يخفي خلف هذا التناقض والقلق قصه لم يخبرني إياها .. هل تراه مجنونا .. كم أكره رسائله رغم أن فيها الحقيقة . أحيانا أشعر بأنه رجل جبان يختفي خلف قلمه وأوراقه لا يملك القوة والإرادة لاقتحام عالمي ويرتضي الوقوف عند سور قلعتي .. وقبل أن يحاول التغلب على هذا السور يعلن هزيمته وعدم قدرته لينسحب مهزوما يندب حظه العاثر .. أكره فيك ضعفك .. أكره فيك ترددك .. ماذا تنتظر ؟ هل تتصور أنني في يوم ما أقتحم عزلتك وأعترف لك كذليلة بحبي .. كلا لن أفعلها .. لأن من المفروض أن يقدم هو على هذة الخطوة .. مللت إنتظارك .. أغلقت بابي وقلت لن يأتي ، قلت بأنك ستبقى ترمي أوراقك من تحت بابي وتهرب كالمذعور .. ليتك تدرك بأني قد قرأت بما فيه الكفاية ولن أحتمل أي ورقة جديدة تتباكى فيها وتندب حظك العاثر .. كف عن غرورك .. كف عن غبائك المصطنع وأدرك حقيقة مشاعري وأخطي نحوي خطوة واثقة . ولكن لماذا أشغل نفسي بك لهذة الدرجة ، لماذا أفكر بك وأفرح عندما أراك .. لماذا أقرأ أوراقك بشوق هام . هل أنا أحـ ...

دفنت رأسي بالوسادة وشعرت برغبة عارمه بالبكاء .. وإستسلمت لها أخيرا ..

وكانت بالقرب مني بقايا سيجارة منطفئة وورقة تعثرت الكلمات في نهايتها .. وقلم نفذ الحبر فيه .

الأربعاء، 16 يوليو 2008

الارضة


ماذا أفعل ؟

وهذه المشكلة تتفاقم كل يوم فمنذ سنوات وهي تزحف ببطء وهدوء شديد حتى أنها أصبحت جزءا مزعجا من حياتنا ..الآن وبعد هذه السنوات الطويلة التي تكاسل أبي فيها يجد نفسه محاصرا من كل الجهات .. لم يستطع رغم سنوات عمره الستين أن يجد حلا لها .. قبل سنوات كانت أمي تشتكي كل ليله لأبي وهو عائد من نادي العمال سكرانا كعادته من أن الأرضة قد إنتشرت بشكل كبير .. ويعدها أبي بأنه سيتصرف في الصباح . ويأتي الصباح .. ولا يفعل أبي شيئا سوى إرتداء ملابسه والذهاب إلى المعمل وهكذا يعود مساءا سكرانا . لقد كنا صغارا نعول على آبائنا كثيرا ولكن دون جدوى والآن بعد أن تقاعد أبي وبلغ من السن عتيا وبعد أن إنتشرت الأرضة في كل أرجاء البيت وبعد أن نخرته طوال أكثر من ثلاثين عاما .. لم يجد أبي غير الحزن والحديث عن الماضي وعن الاشتراكية والعمال .. ونضالهم .. بينما لا زالت الأرضة تتكاثر وتنتشر بشكل مخيف لتأكل بشراهة كل شيء .

اسلاك شائكة


عيون ترقب بألم .. جسدا مدمى .. وجروح تنزف ووجع يمزق أوصالك .. ورمال حمراء إلتصقت بوجهك وجسدك .. ألم يغزو جسدك كأنه جيش من الفاتحين يحطم كل شيء أمامه ، قلبك يحفر صدرك .. كأنه فأس سجين يسقط على صخور صلدة تتآكل ببطء ، يداك معلقتان ألتفت حولهما الأشواك المعدنية التي حفرت كل جزء من جسدك ، أرجلك لا تتحرك ، ونزيف لا يتوقف ، فكلما تحركت نبتت شوكة جديدة في جسدك .. كأنك مزروع هنا في هذا المكان .. كأنك جزء من هذه الكومة المعدنية ، أمام عينيك مدينة تنتظر .. قدومك .. تراك من بعيد كأنك وردة جوري تنمو رغم قساوة الأتصال المعدنية .. فأنت كقطعة حمراء تضفي على هذا الشيء الكئيب المخيف شكلا يوحي بالخلاص ..

مجيد روبه


بدأت أصغر شيئا فشيئا ، أشعر بأنني أتكور . لقد أصبحت أصغر من هذه السجارة الغير مشتعله الواقفة كعمود كهرباء في فمي : وحتى علبة الكبريت أصبحت أكبر من يدي.بل أنني أدخن فيها ، إنني أصغر من عود الثقاب هذا الذي يقترب من السيجارة: حريق هائل أمام وجهي .. غابات تشتعل .. مدينه كامله تحترق : سحب دخان كثيف: ماعدت أرى شيئا:هذا العالم يتلاشى .. يتلاشى أمامي : شيء ما يحترق قرب فمي .وفجأة: ابتلعتني قطره عرق هائله نزلت من جبيني. إنني الان وسطها: الهواء شارف على النهاية .. رئتي امتلأتا بالماء المالح .. أنني وسطها اغرق : بحر هائل أمامي .. أحاول أن أصل إلى اليابسة ..إلى سطحة لعلي أتنفس لكن يدا إنتشلتني من هذا البحر .. إنه .. لا أعرف ربما صديق لـــــي .. ماعدت أتذ كر.وروحي تتقلص: تصغر: تصغر: آه ما اطول هذا الشخص الواقف أمامي: إنني اقف أمام حذائه الهائل أريد أن اصعد : أن أتسلق جسده: اصل إلى أذنه لكي اصرخ فيها مــــــن أنا؟ ومن أنت ؟

ماذا فعلت بــــي تلك الحبة الصغيرة التي قذفتني إلى هذا العذاب. ظل واقفا أمامي تمتم بكلمات لا أفهمها،

لغة غريبة لم أعد أعي أي شــــيء: شاح بوجهه عني بعد أن اخرج يديه من جيوبه وغادر: بل اختفى فجأة. ماذا حدث .. الساعة ماذا أصابها: الثانية تمر على جسدي كأنه مــــوس حلاقه أو قطعة زجاج إنني أنزف .. توقفت الساعة تماما ، حتى هذا الشارع الذي يمتد أمامي لا حركة فيه.. كل شيء متوقف.. ذبابه واقفه أمام عيني في الهواء دون حراك، حتى الأصوات متوقفه .. لكن قلبي ينبض بقوه ليس دما إنما شيء يبعث على الحكة في أنحاء جسدي ربمـــــــــــا يكون نملا :أسراب عديده تسير في جسدي .كنت واقفا على حافه الرصيف .. كلا إنها حافه هوة صخرية عند وادٍ عميق.. عميق جدا : لا أستطيع أن أرى قراره. إنني أترنح .. هواء بارد جاف يأتي من ذلك الوادي يدفعني إلى الوراء: وعاصفه هوجاء تجعلني انحني نحوه: وهكذا كرقاص ساعة قديمه .لكني فجأة وجدت نفسي عند ابواب مدينه صخريه مهجوره .. كل ما حولي صخور فيها أبواب مغلقه إلا باب واحد مفتوح . دخلته.. مقبره قديمه . صخور نحتت على شكل توابيت.. جماجم فارغه.. هياكل عظميه .. أغمضت عيني محاولا الهرب من ما به من كارثه .. وعندما فتحتهما وجدت نفسي على سرير حديدي عند حافة برج هائل كان .. السرير يتحرك .. أكاد أن أقع.. لا أرى شيئا . سوى أضوية خافته تتحرك هنا وهناك .. نهضت .. حاولت أن أتمسك بحائط البرج .. لكنني هويت إلى الأسفل مع السرير. رهبة فضيعة .. إنني أسقط.. أغمضت عيني .. فتحتهما بعد حين .. لازلت فوق حافة الرصيف لكن الحركة عادت بشكل بطيء .. روحي تصغر.. تصغر، إنني لا أستطيع التنفس .. إنني أتلاشى.. لكن صوت سعيد عبر المايك . ( بشرى ساره.. يانصيب الجائزة الكبرى.. الجائزة الأولى بيجو 2001 .. الجائزة الثانية خمسة ملايين دينار .. الجائزة الثالثة ثلاثة ملايين دينار .. وحظا سعيدا للفائزين مع تحيات الكابتن مجيد روبة الزورائي ) .. صمت .. وغرقت من جديد في قطرة عرق سقطت من جبيني .. لكني هذة المرة سبحت في داخلها غصت إلى قعرها باحثا عن قواقع الوعي ولكني رأيت أشكالا غريبة أسماك عديدة لكنها ميتة وعندما أخرجت رأسي رأيت جزير قريبة جدا سبحت نحوها بكل قوتي . (بشرى سارة .. يانصيب .. الجائزة الكبرى ..سيارة .. الجائزة الثانية .. خمسة ..الجائزة ... حظا سعيدا ... تحيات الكابتن مجيد روبة ...) من جديد عاد صوته يرميني بقوة على الرصيف التفت نحو محل المرطبات لقد تحركت الساعة ... أخيرا .. لكنها لازالت بطيئة جدا إنها ال... آه هذا الصداع ... لقد أعيتني السباحة أشعر بلسع الرمل كانت الشمس قوية جدا أشجار يابسة لا طيور عليها .. لا زرع لا حياة لا شيء على هذة الجزيرة نهضت محاولا الوقوف على قدمي سحبت خطاي وقفت أمام شاهد قبر مندرس .. كلمات مبعثرة .. هنا يرقد ال... ( سارة .. نصيب .. سيارة .. 2001 .. ملايين .. حظا .. مجيد روبة ... ) عليّ أن أحرك أقدامي .. أن أتراجع قليلا عن حافة هذا الرصيف اللعين .. الساعة تتحرك .. أو أنها تتراجع .. أو لا أدري ، أغمضت عيني، أردت أن أرحل بعيدا جدا . ( ............... يرقد بسلام بعد أن غرقت سفينته في بحر ... ) ( ....................... مع تحيات الكابتن مجيد روبة ... ) لا أعرف كم من الوقت مر وأنا أسمع هذا الصوت الذي يمزق طبلة أذني ويرميني على حافة هذا الرصيف .. وأخيرا أستطيع أن أسير .. أن أتخلص من ذلك الشعور الرهيب بالسقطة ومن ذلك التكور الهائل الذي جعلني أصغر من أي جرثومة صغيرة موجودة على سطح الكرة الأرضية الكريهة .. لقد انتهى مفعول الشيء الرهيب والغريب أو أنه توقف مؤقتا لكنه سيعود في أي لحظة مثل أي احتلال بغيض لينتهك كل شيء . والآن تذكرت أن عليّ رؤيتها .. فمنذ فترة طويلة لم تقع عيناي عليها، لكن صوت سعيد عبر المايك لايزال يعلن عن تلك البشرى اللعينة وكالعادة ختمها بتحيات الكابتن مجيد روبة . إبتعدت هاربا من ذلك الصوت .. ستأتي في أي لحظة وتهرب كعادتها ولكن ماذا أفعل ؟ .. لا شيء مثل كل مرة . وقت طويل مر .. سيجارة شارفت على النهاية .. أشعلت بقاياها سيجارة أخرى .. ولم تحضر .. هل يا ترى تذكرني الآن .. تذكر أن الحمقى مثلي يحبها .. رجل محطم لا ينفع لأي شيء مثل بقايا هذه السيجارة .عليّ العودة إلى ذلك الرصيف ففيه نهاية العالم وبداية مأساتي .. جموع غريبة .. رجال .. شيوخ .. أطفال ... مجانين .. نساء تعلن عن عهرها بكل وقاحة .. ومجيد روبه لايزال بخصومته (سنفوز بالدوري لا محالة لدينا لاعبين يستحقون أن يلعبوا بكأس العالم ..) جدال ترتفع فية الأصوات وصوت سعيد الذي يختلط فية المزاج كثيرا يدق طبلة أذني بإلحاح . وبشير المجنون الذي يبيع بطاقات اليانصيب يقولون أنه كان مدرس رياضة لكنه جن . حتى سعيد هذا كان مهندس زراعي لكنه هرب من عالمه وزوجته وأبنته وأرتضى أن يكون مهرجا في فرقة مجيد روبه الزورائي .. عالم غريب يختلط فيه كل شيء حتى بات من الصعوبة أن تميز العاقل من المجنون . شعرت برغبة شديدة لتناول الشاي .. لا بأس شاي (فعيو) ليس ببعيد من هنا .. تذكرت مقولة سعيد التي يرددها دائما ( اللي ما يحب فعيو ...... أخته ) ولا أعرف ماذا يقصد، شربت أستكان الشاي على عجل .. إنها تعود هذه الأسراب اللعينة من النمل .. لقد دخلت قدمي وبدأت تحتل أرجلي شيئا فشيئا وتواصل التقدم .. وأنا أستسلم دون أي مقاومة تذكر .. أخرجت سيجارة من جيبي .. لم تكن سيجارة إنها عمود معبد روماني قديم حاولت .. أن أرميه على هذة الجيوش المحتلة لكنة سقط على رأسي حريق يشتعل من جديد .. سحب دخان ..إنني أرى الجحيم أمامي بل إنني أطفو علية .. أغمضت عيني .. حاولت أن أهرب من هذا الحريق الذي يحاصرني .. لكني وقفت عاجزا لا أستطيع أن أفعل أي شيء .. إنني متعب .. متعب جدا .كلمات مبعثرة.. قبر مندرس .. أي بحار قطع هذه البحار ليموت هنا وحيدا منسيا .. بدأت أحفر بكلتا يداي هذا القبر .. كنت كمن يبحث عن كنز مفقود .. حفرت .. حفرت .. وأخيرا وجدت عظاما منخورة ووجها منزوع العيون .. إنه وجهي .. ملايين من النمل تحتلني .. إنها تأكل كريات دمي بشراهة .. صاح مجيد روبة :

- سنفوز لا محالة ونهزمهم جميعا .لازلت أسمع نزاعاتهم .. إنهم بقربي لكنني لا أرى أحدا منهم .. إنها أصوات أصوات .. لم يبق إلا القليل على الارتطام الهائل .. جسدي يقترب بسرعة لكن سريري الحديدي أسرع منه، آه .. إنني أتكسر مثل قدح زجاجي تتناثر أشلائي على الأرض .

- سنفوز ونهزمهم جميعا .نفس الصوت يعيدني إلى حيث أنا وقد حل الظلام رغم أن الساعة لازالت تسير ببطئ شديد لازالت بقايا سيجارة منطفئة بين أصابعي .. عليّ العودة إلى هناك .. بين الوجوه الكئيبة والمريضة اندفعت بين جموع تعود كل يوم لتنام وتصحو على مأساة .. لا أعرف كم استغرق بي الطريق لكني وجت نفسي أركب باصا قديما يهتز كأنه مهد طفل رضيع .. كانت نسمات الهواء الحارة والجافة تصفع وجهي بقوة .. إنني أرتفع عاليا .. أجلس فوق بساط سحري .. أرتفع عاليا فوق مدينة تضاجعها الظلمة كل ليلة لكنني تخيلت وجهها فجأة .. زمن طويل مر على آخر لقاء لنا .. حاولت لحظتها أن أنزع الحقيقة منها كجلاد لكنها بقيت صامتة صامدة ولم تعترف بأي شيء وإنتصرت في النهاية وتراجعت مهزوما أنا .. وبصقني الباص الخردة على قارعة طريق مترب .. عدت كالعادة إلى ذلك الشارع المعتم وأختفت فيه كما يختفي أي فأر مذعور في جحره .. عدت إلى البيت بحثت وسط العتمة عن شيء ما .. إنه.. قوري الشاي وضعته على النار وإنتظرت كنت أجلس عند باب مغلقة .. إني قلق جدا .. خرج رجل يرتدي صدرية ملطخة بالدم .. حتى وجهه اعتلته بقع دماء تحدث على عجل:- مات بعد أن نزف دمه .. لم إستطع أن أفعل شيء سوى أنني خلصته من آلامه .. ذبحته بكلتا يداي ... وضحك بجنون وبكيت وبكيت بشدة.. اندفعت نحوه ... وجدته يغلي ؟؟ يغلي ؟؟ .. إنه الشاي .. صبيته بالقدح الذي ملأته بالسكر فالنمل يحبه كثيرا .. شربت .. لقد خرج أخيرا .. إنه يسير في أوردتي وشرايني .. إنني أشعر به بدأ يلتهم مخي .. لم إستطع الوقوف طويلا .. إنني أفقد قدرتي على الاستيعاب .. لم أعد أفهم أي شيء لم أعد أسمع أي صوت .. لكنني رأيته مذبوحا على سريره .. كان رأسه معزولا عن جسده .. امسكت رأسه بيدي لكني سمعت صوت مجيد روبه من ورائي :- سنفوز لا محالة .بدؤوا يشجعوني .. هدف هدف لكن النمل ألتهم مخي بعجل وبدأ يأكل عيوني وقلبي . ربما غبت عن الوعي .. لكنني لم أعد أتذكر شيء ربما نمت.. كلا إنني لا أستطيع النوم لقد كانوا يطاردوني من شارع إلى شارع يحملون حرابا طويلة .. ركضت وركضت ، شعرت بخوف لم أعهده من قبل .. إنها النهاية .. وجدت نفسي واقف أمام سلم طويل، لبناية معتمة صعدت راكضا ممرا طويلا وغرف مغلقة الأبواب فتحت أول باب صار أمامي .. فوضى عارمة تعم الغرفة في ركنها البعيد سمعت أناة متقطعة .. اقتربت .. إنها طفله تحتضر كانت مغمضة العينين .. لم إستطع أن أفعل لها أي شيء .. بكيت عند رأسها بكيت وبكيت لكنها في لحظة ما فتحت عيناها .. نظرت لي وابتسمت كأنها تعرفني .. وماتت .. خرجت مسرعا من الغرفة أنفض عني غبار الموت .. دخلت الغرفة الأخرى .. جمع غفير وسطهم مجيد رويه يعلن بصوته صارخا.

ـــ سنفوز عليهم لا محالة .. إننا الأفضل .ورأيت معن المجنون وهو لايزال يسب ويلعن ويتمتم بكلمات غير مفهومة وسعيد يحمل المايك ويعلن الجائزة الكبرى لكنه بكى.. لأن الجائزة الكبرى وهم كبير .. تركتهم وخرجت نحو الغرفة الأخيرة بالممر المعتم .. لقد رأيتها جالسة خلف المكتب أمامها أوراق كثيرة .. رمقتني بنظرة وعادت تدقق الأوراق التي أمامها وبدأت بالحديث قائلة :

- لم أستطع أن أفعل لك شيء لقد حكموا عليك بالإعدام ... حاولت أن أخفف الحكم حاولت أن أسترحمهم لكنني لم أستطع إنني آسفه ستعدم بعد أيام قليلة .لم أكن أعرف عن ماذا تتحدث .. لماذا أعدم .. أي جرم ارتكبت .. حاولت أن أنطق بشيء .. بحثت عن كلمة مناسبة في رأسي لكني لم أجد غير نمل ميت وجسد امرأة عارية بلا رأس وأوراق قديمة وصورة لي عندما كنت صغيرا .. كنت كمن يبحث بين أكوام النفايات .. لم أجد غير كلمة مغبرة رميتها إلى لساني :- إنني أحبك .لم تهتم لها وبدا لي أنها لم تسمعها حتى أنها لم ترفع عينيها عن الأوراق وتمتمت بكلمات قليلة .ـ

ــ سيعدمونك قريبا ..إنني آسف .تراجعت .. تلمست بيدي الباب وخرجت .. لم أكن أعرف أين أذهب .سقط قدح الشاي الفارغ بعد أن أزحتة بيدي .. لازلت أسبح بالعتمة .. سكون مبهم .. شيء ما يألمني.. أرجلي أو رأسي .. لاحت لي النهاية .. تذكرت ذلك الصوت . سنفوز عليهم لامحالة :

لكننا خسرنا منذ زمن طويل وبعيد, كنت أريد أن أنام.. أغفو إلى الأبد لكن النوم يجافيني كأنة طلق عيوني، ليتني أستطيع أن أهرب من قدري .. لا مفر .. مددت يدي إلى جيبي وجدت حبة صغيرة قسمتها نصفين نصف أعدته إلى مكانه ونصف دفعته إلى فمي .. عاد النمل أسرابا عديدة تحت جسدي .. لكني إلى الآن أسمع ذلك الصوت ..

- سنفوز عليهم لا محالة فنحن الأفضل .

عندما حاولت ان ابقى محلقا



ضوء القمر شبه خافت ، الغيوم تتجمع من حوله تحاصره ... وانا كنت احلق في اللامحدود .. ارتفع ...
احاول جاهدا ان احافظ على مستوى ارتفاعي .. ولكنني سرعان ما انخفض لدرجة انني الامس سطوح المنازل ،
لكنني استجمع قوتي من جديد واحلق عاليا ..
اشعر بالاعياء بالتعب الشديد .. اتمنى ان اهوي كحجر نحو الارض .. لكن شيئا ما يمنعني .. يحثني على المواصلة والارتفاع ..
آه .. ما اثقل وزني .. اطرافي اتعبها هذا الجسد المترهل .. احركهما بقوة ارتفع .. ارتفع ..
لكنني اشعر بالحنين الى فراشي الذي غادرته قبل لحظات ..
كم سأكون سعيدا لوعدت الان له .. سأتمدد واغفو .. اغفو عاما كامل ...
آه .. ارتطم جسدي بشيء انني انخفض .. انخفض ..
على ان احاول الارتفاع مجددا .. جسدي يؤلمني .. اطرافي تؤلمني هي الاخرى ..
انني ارتفع .. احاول الارتفاع .. احاول .. واحاول ..
فأعاود الارتفاع ...
احاول ان احافظ على البقاء محلقا ..
رغم الجهد والاعياء الذي اصابني .. ابقى مرتفعا ..
ولكن بعد لحظات سأنخفض ...
مع هذا لن اكف عن المحاولة للتحليق مجددا ......

نصوص


انتخابات

بعد ان سرق منهم الوطن
وقف يثقف لصاحبه ..
انتخبوه ..
لانه سيوزع عليكم ..
خبزا وسكن ،
انتخبوه ..
لانه سوف يعيد لكم الوطن ..
ضجوا ..
تسألوا حائرين ..
واين الوطن ؟؟
ضاع .. سرقه اللصوص منا
منذ زمن ،
قال لهم وصوته
لم يبحه اي وهن ..
لا تخافوا ..
في جيب صاحبي
ستجدون الوطن !!!

******************
راودته عن نفسه
سدت دونه الابواب والمنافذ
واغلقت الحدود
وقالت هيت لك ،
وهمت به ...
وهم بها ،
لولا ان نفدت كل حبوب الفياغرا لديه ..
******************
من بطن الحوت ..
نادى ،
والساعة عقيم ..
لا تلد اي زمن ،
رب ..
دعني اسد جوع هذا الحوت ،
اهم عندي من الاستغفار ..
*******************
سجين
اغادر ..
دون ان ابرح هذا المكان ..
كم توجعني ..
هذه الجدران ..

وطني الذي باعني


وطني .. الذي باعي
لجبهات القتال
والمنافي
وللغربة
بلا مقابل
ما عدت احبه
ما عدت اطيقه
لأنه .. يذبحني كل ليلة
بلا رحمة
.......
وطني الذي وهبني
لطوابير الانتظار
وارصفة الضياع
ولصدقات المترفين
اكرهه
ولن اغفر له
ضياع عمري
وموت احلامي
............وطني ..
الذي يطاردني
يسلبني ..
حتى رصيف غربتي
يشاركني ..
بفتات خبزي ..
وبقايا سجارتي
فراشي البارد
ما عدت اتحمله ..
لا اجد له في بقايا
قلبي ..
غير الكراهية ..
..............
وطني
الذي صار سجن وخوف
وضياع ..
ولصوص ورجال دين ..
وطفال جياع ..
ما عدت اطيقه
واتمنى .. لو امحوه
من خارطة قلبي .

نصوص غارقة


لا اجد في ذاكرتي
اي فكرة ..
او حتى كلمة واحده ..
فبعدك انا ارض بياب
لا تورق فيها الكلمات ...
********
حرية
كلما وجدتك ..
اضعتك من جديد
جيوبي مثقوبة
تنسلين منها
دون ان ادري ..
*****

وطن
وطني الساكن في عينك
دمعا مخنوق
لا يمنحني ..
غير منافي جديده
وطوابير تبحث عن لجوء ..
*******

حذاء
وطني هذا ..
اضيق من حذاء ..
قدماي تنزفان ..
ترسمان بالدم ..
علامة استفهام ..
حول مصيري .....
********

نزيف
احبو لعينيك ..
مثل طفل ..
ابحث فيهما عن فراشات
وازهار
فلا اجد
سوى دمعا .. بلون الدم
دموعك هذه ام نزف شرياني ..
******

هروب
عصافيري
ما عادت تحلق
في سماء خيالي ..
هربت بعيدا
تبحث عن وطن ..
غير اوراقي .. وعينيك
******

لوحة
وطني الذي رسمته
على اسيجة المدارس
لوحات جميلة
او هكذا تصورت
ارتعب منها الاطفال
لان دمي شوه
اللوحة ...

********

جسر
كأن هذا الجسر
اخر شيئا يربطنا
فهوى الى النهر ..
لانه لم يحتمل
ما بي من وجد ..
*******

حزن
كلما يدق الحزن
اسفينه في قلبي
تتفجر ينابيع
حبك ..
فتسقي صحراء حياتي ..
********

كلمات
خزني ..
لا ينطق سوى كلمات
باكية ..
وانت لا تقرأين
هذه الكلمات
فعالمك كله ترف
وانا لازلت من مملكة الفقر .
*********

خبز
تذو اقو خبز روحي المر
ايها الجائعون ...
غدا
ربما يكون طعمه مختلف
وبعد موتي .
ربما سيكون لذيذا ..
وحينها ..
لن تجدوا منه المزيد ...
*******

بحث
تعبت من البحث عنك
وانا الى الان
لم اتعلم
كيف اجدك
فقد اعيتني
رياح اليأس
ومزقت اشرعتي ...
********

فراق او ماذا ؟؟
هناك حيث انت بعيده
لا اجد في روحي
اي نبع
فقد جفت كل الينابيع
لا شيء اجد ..
حتى في القاع
لا شيء غير جحيم عذابي
********

صعود
لا تفكري
بالصعود كثيرا
فقلبي ليس جبلا
وانت لست مغامره ..

حلم


ماذا علي ان اكتب وسط ضجيج ما حولي من حديث لا ينقطع لزميلاتي .. وأفكاري التي هربت من مخيلتي ، لكن سؤال مدرسة اللغة العربية في مادة الإنشاء أعادت لي جزء من حلم ربما تقادم وتراكم عليه غبار السنين .. ماذا تتمنين ان تصبحي ؟؟ ... اذكر أنني منذ ان كنت صغيرة وسط بيتنا الصغير الذي كنت ابحث فيه عن خلوة مع نفسي دون جدوى لم يكن عندي مكان اهرب أليه سوى "برج الطيور" المزدحم بطيور أخي الكبير .. كنت ادخل في وسطه أتحدث مع الحمام أحاول عقد صفقة مع إحداهن علها تهبني جناحيها لأحلق عاليا و تكون قمم الأشجار العالية مسكنا لي .. لكنني فشلت في إقناع ايا منها .. كنت أتساءل مع نفسي كثيرا ما تفعل هذه الطيور التي بإمكانها التحليق عاليا في هذا المكان الصغير ..كم هي حمقاء حقا !!
لا زلت اذكر أنني لأكثر من مرة تركت باب البرج مفتوحا لأترك المجال لها لتهرب من سجنها هذا .. وتحلق بعيدا دون عودة .. مع أنني كنت أدرك كم ستكون العواقب وخيمة وأنني لن أنجو بفعلتي هذه من أخي الكبير وحتى من تعنيف والدتي لي التي كانت تحاول منعي دائما من الاقتراب من برج الطيور ولا زلت اذكر تعنيفها لي .." لا تدخلي البرج لان أخيك لن يرضيه ان تكوني في هذا المكان .."
لكنني كنت أتسأل مع نفسي دائما ماذا يدور في خلد هذه الطيور الصغير ولماذا تختار العيش خلف القضبان تاركة هذه السماء الزرقاء الجميلة والبساتين المورقة ما لذي يدفعها لاختيار مكان صغير مزدحم أبوابه مغلقة دائما كهذا في حين بإمكانها العيش في احسن منه .. بإمكانها التحليق عاليا دون عودة لسجنها
لطالما تمنيت ان أكون حمامة محلقة لا يحدها مكان صغير مزدحم مثل بيتنا .. لكنني أجد في داخلي تناقض غريب فأنا اعشق بيتنا هذا رغم صغره .. اعشق وجه أمي وأحاديث أبى وحضوره الجميل حتى تشاؤم أخي الكبير الذي تعود ان يلعن حظه العاثر دائما ً .. كان هناك شعورين يتصارعان في داخلي الانتماء لهذا المكان حيث أعيش والرغبة في التحليق عاليا .
كنت خائفة من كتابة كل هذه الأفكار ربما سأكون مدعاة لسخرية زميلاتي .. ماذا سأكتب .. أنني أتمنى ان أكون حمامة .. لن يكفن عن التعليق بسخرية على حلمي هذا ..
لكنني تذكر أمنية صغيرة تختلف عن ما يتمنى بعمري فكل من كانت تسأل عن أمنيتها تقول أتمنى ان اصبح طبيبة أو مهندسة .. أما أنا كنت ولا أزال اكره رؤية الدم بل أصاب بالإغماء بمجرد ان أرى قطرة منه .. كنت أتمنى ان أكون مختلفة ، ربما أتمنى ان أكون كاتبة أو صحفية لأكتب عن الحمام وعن أحلام الأخرين وعن كل شيء جميل .. كنت مستغرقة بالكتابة وسط ذهول زميلاتي وأسئلتهن التي لا تنقطع عن ما اكتب .. كنت اكتب عن حلمي بأن أكون طائر محلق في فضاء اللامحدود .
انه فضاء الكلمات .. كان حلمي ان أكون صحفية مشهورة

اغنية لشارع حزين


بأوصالي المقطعة
احمل وقع أقدامهم
لصباح هزيمة أخرى...
أسلاك شائكة
وقطع كونكريته
غيرت معالم وجهي الحزين
قسمتني نصفين
باعدت بين رأسي
وأطرافي ...
لكني لا زلت أنصت
لموسيقى دواليب العربات
التي تأن بأحمالها الثقيلة..
وأنا ارقب هذه الوجوه
الخائفة
من غدا قد لا يأتي ..
خائفة حتى هذه الأحذية البالية
التي تحمل أجسادا
متعبة هي الأخرى
متعبة اكثر..
" يا الله .. يا محمد .. يا علي "
ترنيمة لم تنقطع
يرددها الحمالين
وهم يحملون أكوام أوجاعهم
في كراتين من ورق
وبائع الصحف " محمد "
يهدي ابتسامة
مع كل صحيفة يبيع
لانه لا يبيع سوى الكذب ..

مهداة لشارع الرشيد

وطني


وطني الذي اكرهه
ويكرهني ..
ترسم الأطفال
في كراريسهم
البنادق ..
بدلا من الزهور ..
وتلعب لعبة الحرب
البغيضة ،
وطني الذي يكرهني
واكرهه ..
يغتصب أحلامي
كل ليلة ..
أراه ..
صليب أحزان ،
وأنا المسيح الذي يبحث
عن الخلاص ..
وطني الذي ابغضه
ويبغضني
يراه الآخرين
أوراقا خضراء
ودما اسود
يباع في أسواق
النفط ،
واراه
تابوتا فارغ
ينتظر جسدي بفارغ الصبر
ومقبرة لا تشبع

العبور الى الضفة الاخرى


فتشت في ذاكرتي .. لم اجد شيئا .. صور متداخلة .. وجوه لا تحمل سوى الخوف .. كان امامي طريق طويل للوصل الى مبتغاي ..طرق مسدودة ، دوي انفجارات .. واطلاق نار " لا يمكن ان تتقدم اكثر فالاشتباكات على اشدها " قالها وهو يهرع مسرعاً .

لم استطع منع نفسي من الخوف ..

وكأنني احاول ان اعبر الى عالما اخر.احتميت ببناية خربة احتمى فيها العديد من الاشخاص .. ازاد الدوي .. كان الكل خائفا .. طفلة تبكي وامها تحاول ان تهدئها.. ورجل عجوز يتمتم شيء اشبه بالصلاة .. ومجموعة من المراهقين يتضاحكون .. كان جوا مشحونا بالخوف لم استطع الانتظار اكثر من هذا .. قررت الخروج فجأة .. سمعت اصواتا من حولي تحاول ان تحثني على التريث .. لكني واصلت تقدمي نحو ذلك الشارع الخالي من احد الا من ازيز الرصاص .. تقدمت محاولا العبور الى الناحية الاخرى من الشارع .. ركضت بما واتيت من قوة .. اصدم شيئا ما في جسدي لكني واصلت الركض ..

عبرت الرصيف واحتميت بحائط بناية .. بعدها واصلت المسير ..

تاركا خلفي جثة ملقى وسط الشارع غارقة ببركة دم ...

نوبة


احاول العبور .. لا استطيع فقدت نسيت اقدامي هناك مع اوراقي .. فتشت في جيوبي باحثاً عنك .. يبدو انني نسيتك هناك مع اوراقي .. واقدامي .. لا ادري ما فاعل انا ؟؟ضيعت كل شيء هناك .. لكني لا استطيع العودة ،كنت اقف وسط طريق موحل .. اقف .. وهل لي اقدام ؟؟ربما كنت مرميا .. او معلقا في الهواء .. ولكن لا حراك لقد فقدت الاحساس بكل شيء .. حتى الزمن .. لا ادري كم من الساعات مرت وانا هنا .. ساعات .. كلا .. ربما ايام .. او لا ادري سأحاول ان احسب الزمن ليلة البارحة ازعجتني بعوضة .. وقبل ليلة البارحة ايضا ازعجتني بعوضة... و.. اللعنة انني اكرر الحدث، ولكن ان نسيت اقدامي كيف وصلت لهذا المكان .. ثم الى اين انا ذاهب ؟؟اليس من الافضل ان اعود .. ولكن الى اين ؟؟

واوراقي ما بها .. ولماذا نسيتها هناك ؟؟

انني اهذي .. نعم اهذي .. لانني لم اخذ الدواء في الوقت المحدد وربما اصاب بنوبة صرع...

الضيف



كل شيء معد .. كل شيء مرتب ، المفتاح موجود في الباب لن يقف طويلا طارقا إياها سيجلس هنا عند هذا المقعد في وسط الغرفة ، سأضع أمامه منضدة صغيرة .. عليها منفضة سجائر .. قدح ماء .. سأرحب به بحفاوة .. أتحدث معه ولكن بهدوء لكي لا يوقظن أحدا .. أوه نسيت شيئا مهما .. ألبوم الصور سأضعه أمامه على المنضدة .. وأطلب منه مطالعته ، صور مختلفة أغلبها لي .. صور الطفولة ، وأيام الصبا والشباب وسأريه صور جميع أصدقائي وخاصة الذين ماتوا .. أكيد أنه يعرفهم ، فهو يعرف كل شيء عني ، سأقابله بلهفة فأنا طالما إنتظرته طويلا ولكنني خائف جدا .. أو مضطرب .. ماذا سأقول له ؟ .. هل أتظاهر أمامه بالإستغراب من هذا الزيارة المبكرة .. كلا هذا نفاق ألم أكن أريدها منذ زمن بعيد .. علي أن أرتب نفسي ، سألبس أفضل ما لدي ، سأرتدي بنطالي الأسود . قميصي الرصاصي .. كلا .. ياقته متهرئة .. ماذا سيقولون عني .. قميصي الأبيض الجديد يفي بالغرض .. قبل هذا عليّ أن أحلق لحيتي .. وأمشط شعري غير المرتب هذا والأفضل أن أستحم .. سأجلس أمامه وأطلب منه الأذن لأعداد الشاي .. هل أقدم له سيجارة ، لكني لا أعرف أي نوع يفضل ، لن أكثر عليه الأسئلة ، لن أبكي أمامه .. لن أتوسله .. سأسئله أن يسمح لي بكتابة كلمات قليلة .. حتى الورقة والقلم أحضرتهما ولكني لا أعرف ماذا أكتب .. هل أعتذر لأمي عن الحزن الذي سأسببه لها .. هل أطلب من أبي السماح .. لا أدري حقا .. ربما لن أكتب شيئا وأترك الورقة بيضاء كما هي .. سأطلب منه أن يتم عمله بسرعة ، وسأتوسله أن لا يحدث أي ضجة .. وسأرجوه أن يغادر بهدوء ..كي لا يوقظ أمي وأبى ..

من اعترافات رجل على حافة الحب



هل تتخيلين سيدتي رجلا يحبك يطرب لسماع صوتك يذوب بملامح وجهك الحزن مثل وجه العذراء يحمل حبا لا يعترف بالمكان ولا حواجز التفتيش ولا المدن المحاصرة بالخوف والموت ولا المدن التي تستجدي البقاء ولا الصراعات السياسية او المذهبية لان حبه لك هو البقاء هل تتخيلين سيدتي رجلا يعتاش على التفكير بك .. يتساءل مع نفسه ما هذا الشي الذي احتله بلا سابق انذار .. بعد ان اسقط كل دفاعاته ..ما هذا الشي الذي لون حياته رغم قتامة المشهد .. رغم الموت واشلاء الجثث والاحلام ها تتخيلين يا سيدتي رجلا يعيش بين احتلالين يقاوم الاول حتى ولو بصمته ويستسلم للثاني لانه يعمر خرائب روحه ..ولانه يزرع الامل في طريقه في غده .. فكل احتلال يا سيدتي بغيض الا احتلالك له فهو اجمل احتلال...هل تتخيلين يا اميرة رجلا صادروا وطنه منذ ازمنة بعيدة وعاش باحتا عن هذا الوطن المزروع في داخله لوعة وغربة .. عرفته كل ارصفة الضياع ..وكل طوابير الحالمين بالهجرة الى الاوطان التي لا تخافها العصافير..وبعد ثلاث عقود لم يجد وطنه ولكنه وجدك فاصبحت الوطن له الوطن والانتماء هل تتخيلين سيدتي رجلا خسر كل معاركه .. فقد ارضه ..وطنه..عمره..احلامه ولم يبقى له غير عيناك "وطنا للدمع " يحلم به لكنه لا يملك اوراقا تثبت هويته .. تثبت ما يحمل لك من حب غير قلبا يخفق من بين الركام هل تتخيلين سيدتي رجلا تقيئاته مدن الغبار والجوع .. وبصقته ارصفة مدن العهر والبغاء وتزوجت يداه القيود فانجبت عجزا وحرمان ...رجلا بحث في سجنه عن كوة لكي يرى وجهك والقمر ..حمل صورتك كاي منشور سي اخفاها بين طيات وسادته التي اتعبها راسه المحمل بالهموم ... بحث عن وطنه فلم يجد غير الوهم .. فخاف ان يبحث عنك لانك بعيدة مثل القمر ..وقريبة مثل الدم في الشريان هل تتخيلين سيدتي رجلا محاصر فيه كل شيء .. لا يحمل ورقة عبور للضفة الاخرى .. لا يملك مكانا غير الحلم ليلتقي بك لان ما بينك وبينه عراقا ينزف ... و عراقا يبكي ... و عراقا يحتضر لان ما بينه وبينك .. كلابا جائعة ..و موتا ..و جنود

خبزك مر .... الى روح الشاعر عقيل علي



بين اللحظة واللحظة ..

يغرسون في جسدك المتعب سكاكين ازدرائهم...

يبصقون على خبز روحك..

ويمضون لا احد يفهم معنى هذا الجموح

لا احد يدرك ان آلهة الشعر

مولعة بالقرابين

وان الشعراء لا يملكون غير قربان الجسد

____________
أغمضت عينيك وجسدك مسجى على الرصيف ..

وشيطان الشعر يسعل بقربك أخر قصيدة

والموت يعبث بأخر أوراقك المتهرئة

اغمضت عينيك وأور المنكوبة

لاتزال تنام فوق أكوام الهزائم ..

وغرافها ..

يحمل طاسته بيده يبحث عن غرفة ماء ..

يروي بها عطش الأطفال..

والحالمين بالوطن واللقاء

أغمضت عينيك

والحرية وارت طائرها الخرافي

تحت التراب

فخبزك يا عقيل

لا يستطعم به الجائعين

اعتذر لفقدك



ذاكرة الجرح والألم لاتزال تنزف وأثار القيد باقية تحفر في داخلك نهرا من الحزن ؛ بالأمس القريب حَمَلتْكَ نفس الوجوه مقيدا لمنفى بعيد بعد أن أدانوك بتهمة الهروب من جحيم الوطن .. واليوم حَمَلتكَ إلى منفى بعيد أيضا بعد أن أدانوك لأنك حلمتَ بوطن. للحظة تذكرتَ التل والمقبرة المهجورة التي تعتليها، والطابور الصباحي والأبواب المغلقة وساعات الانتظار وكل لحظات الحزن المدمي بالخيبة والعطش والجوع.. تذكرت ذلك الجرو الذي حسدته كثيرا لأنه عبر الشرك الذي يحيط حلمك وذاكرتك وخيالك .. وارتسمتْ أمامك قاعة الأشباح حيث كان يُعزلُ فيها المرضى.. أجساد هزيلة تنتظر الموت ولا احد يأبه بها.تذكرتَ انك بكيتَ مرة واحدة حين علمتَ انه فقد ساقه؛ تذكرتَ أخر كلماته حين زارك متكئاً عل عكازه ليقول لك: سألحق بك أينما تكون يا ولدي!!كانت رجله المعطوبة تنزف مثل عمرك. ودّعك، كان يجرجر بصعوبة أقدامه، تمنيتَ لو انك لحقتَ به واحتضنتَه ربما زال عنك لحظتها ألم القيد وأزاح هذه الجدران التي حالت دونكما.هناك في ذلك الشرك علمتَ أن قدمه أكلها المرض فقرروا بترها. بكيتَ بشدة لحظتها، تمنيت لو كنتَ بقربه حينما عرفتَ بأنه كان يردد اسمك وهو تحت تأثير المخدر.. لعنتَ إلف مرة هذا السجن وهذه الأسوار وقبل كل شيء لعنت هذا الوطن.اليوم وأنت بين هذه الجدران وبعد أن استقر هو تحت التراب.. تراءى أمام عينيك كيف كان يصارع الموت بقوة وعناد كعادته. كنتَ تجلس بقربه ولأول مرة تمنيتَ لو اعترفتَ له بأنك لم تحب أحدا بحياتك مثلما أحببته، فقسوة قلبك تخفي تحتها مشاعر جياشة تخاف من أن تظهرها..تمنيتَ لو انه سامحك، فقد خيبتَ أمله كثيراُ. آخر مرة كان بودكَ أن تصرخ على سجّانك:" اتركه لي .. لقد سلبتّ مني كل شيء ..عمري وأحلامي..لم يبق لي سواه .. لم اشعر يوما بطعم وجوده.. لم اظهر له حبي يوما.. كم احتاجه الآن.. اتركه لي .. أريد أن اسمع صوته للمرة الأخيرة "رأيتَ دمعة نزلت من عينيه ..كأنه شعر بكل ما يجول بداخلك وكأنه سمع أمنيتك...لكن الموت لم يترك له متسعا ..حاول مقاومته.. إبعاده عنه، لكن جسده الذي احتله المرض لم يقوَ على مقاومة الموت حتى النهاية.. فتوقف كل شيء ليرحل إمام عينيك وأنت غارق بعجزك وفشلك..ترى الموت ينتزعه منك بكل قسوة دون أن تفعل شيء.. بعدها هربت كعادتك .. لم تتحمل فكرة انك لن تجده كل ليلة بانتظارك ليسألك كالمحقق .. أين كنت؟ .. لماذا تأخرت؟حتى السيجارة لن يكون لها طعما ..كنت تدخنها في الخفاء كيلا يراك واليوم صار بإمكانك أن تدخنها أينما كنت. لقد فقدته إلى الأبد وهذا هوا عذابك وعزاؤك .. وحتى الآن وأنت مرمي خلف هذه الأسوار العالية تلازمك صورته كل لحظة .. تسائل نفسك: ماذا تراه يقول لو كان موجودا؟.. بالتأكيد سوف يكتب لك رسالة كما فعل من قبل يعلن فيها انه يفخر بك لأنك شجاع، لكن هذا لن يخفف لديك الشعور بالهزيمة المريرة..في المرة السابقة علمتَ من أمك بأنه كان يبكي كل ليلة لفراقك حتى مات...

ينتظرون وطن




قطعوا الشجر..

وعجنوا دقيقهم بالدموع وأكلوا خبزهم المر ..

وناموا جوعا ..

يحلمون بالوطن ملوا الانتظار ..

وهم يجلسون في المقاهي ..

يدفنون أحلامهم تحت قطع الدمينو..

يسمعون الإخبار وطن جاع..

وطن تعرى...

وطن ضاع ..

وطنا يقف بالطابور..

على باب الصليب الأحمر ينتظر صدقات المترفين حفنة رز ..

وحفنة طحين..

يعودون كل مساء لاشيء جديد..

فانوس خافت الضياء وبعوض وأمريكان

يتقاسمون دم الضعفاء

حلم جدي


عندما.. كنت طفلا صغيرا
كانت أمي .. تحكي لي عن بستان جدي الكبير
عن أشجاره الوافرة الظلال..
عن الطلع والتمر والنخيل وأشجار التين والبرتقال
كانت تقول..أن العصافير
لم تجد أحلى مكان من هذا البستان
وكان جدي يطرب لصوت البلال
في بستانه الوافر الظلال والثمار
كانت تأتيه النسوة لتملأ من السلال..
لتطعم أطفالها الجياع
في زمن القحط والجوع والضياع
وبعد سنين مات جدي لأنه باع البستان
هو حزين في قبره
حزين إلى ألان

كنت طفلا أراقب من بعيد البستان

وأقول في داخلي.. يوما سأشتريه

وأعيد الفرحة إلى قلب جدي الحزين

وادعوا كل البلال والعصافير..
لتغني فيه وتأكل ما تشاء من الثمار

وعندما كبرت..

لم أجد غير الفقر والحرمان..

غير الحروب والدمار

وعرفت بعد هذا العمر ان جدي ..

لم يحزن ولم يمت فقط لضياع البستان

لكن الحلم عندما يضيع..

يموت بضياعه الإنسان.....

عندما لاتأتين


ثواني الصمت والانتظار.. يذبحني كسكين بلا رحمة الدقائق تمر ببطء والساعة في معصمي كالقيد وأنا أغوص في المقعد الجلدي... أنها تقترب من الرابعة هل ستأتي ؟ .....مدن مازالت تعفر وجوهما بتراب المقابر. ووجوه بيضاء كأنها أكفان تحاصرنا. . تحتل كل شيء . وأنا منذ ألف عام أسافر.. ابحث عنها.. سفن تحطمت بي وأشرعة تمزقت..مئات من القراصنة حاربتني ولكنني بعد كل معركة اخرج منها. . لاجد غير الجراح والغربة والألم ... سمعت أنها هناك في جزيرة نائية حورية بحر تنتظر بحارها المغامر.. وعندما تحطمت سفينتي على صخور تلك الجزيرة لم أجدها ... ها أنا بعد كل تلك السنين أجد نفسي مرميا هنا انتظر قدومها.. حفرت سجني حاولت الخروج لعلي أجد الحرية حفرت وحفرت.. وعندما تغلبت على جدرانها اللعينة وجدت نفسي في سجن أخر اشد ظلمة وقسوة.. رسمت صورتها على جدرانه آلاف المرات تخليت اللقاء... وأنا ألان انتظر الساعة توقفت تماما. الرابعة لن تأتي ماذا سأفعل ؟.. كم احتاجها .. احتاج ان أرسو في مينائها بعد سنوات من الضياع .. سأحتضنها بقوة وأقول خذيني أيتها المرأة الأسطورية.. أتعبتني بحار الحيرة واللا جدوى ... سنوات من البحث عنك وها أنت أمامي تجلسين رغم أن الصحراء من الصمت تمتد بيننا.. نظرت في عينها . تذكرت تلك البحار والعواصف وكل سفني التي تحطمت وأشرعتي التي تمزقت ... هل يعقل أن يتحول الحلم الى الحقيقة .. كم حلمت بك ... مثلما حلمت بالحرية. لكني عندما صحوت لم أجدها وها انا أجدك أنت أمامي .....لازالت الساعة متوقفة . لازالت هي أمامي لا تعرف غير الصمت لكنني واصلت الحديث.,بقربك. أموت هنا.بقربك .. ملعونة هي الحرية يا حبيبتي.. تحركت الساعة أخيرا .. هربت الشمس كعادتها توارت في مكان بعيد.. مدينة تحررت لكنها لم تجد إلا الحلم الزائف وجوه لا زالت تحمل ألاف علامات الاستفهام... أصوات باعة افترشوا الأرصفة والشوارع... وهما جديد . جدران سميكة علينا ان نحفر من جديد .. لاندري كم من سنين سنبقى نحفر ونحفر ونحفر .. كان علي ان اخبرها ان الوطن أسطورة سخيفة وان كل تلك لسنين من ببحث ذهبت سدى أين اذهب ألان ؟ .. التوقف.عم كل شيء والماراثون لا زال متواصلا وهي تركض أيضا معهم ليتني نستطيع ان أوقف كل شي ان اصرخ في أعلى صوتي .. التوقف .. إقدامكم تدوس روحي.. وانتم تبيعون كل شيء بالأوراق الجديدة.. الظلمة لازالت تضاجع مدينتنا لتلد صباحا مغبر يموت فيه الإحساس بالمعنى .. الفاران البيضاء تلتهم كل شيء .. ونفس التوابيت لا زالت تحملنا كل مساء الى قبورنا المعتمة .. حياة باهته .. رميت نفسي على الأريكة .. كم انا تعب هي ألان تراجع كلماتي تبحث عن الصدق فيها ... تسأل نفسها هل يعقل انه بحث عني طول هذه السنين... هل هو يحبني أم تراه يبحث معي عن نصرا بعدما خسر كل معاركه ولكني أخبرتها بأنني لم أحب امرأة غيرها وان قلبي كان ينزف حزنا على وطني وان كل النساء الآتي عرفتهن كن مجرد هروب من الضياع الذي كان يلازمني... مللت من البحث عن وطن عرفتني كل السجون ومعسكرات اللاجئين ومراكب التهريب نحو مدن الحرية . عرفني كل المتسكعين على أرصفة الانتظار في المطارات ومحطات السفر ولكن بعد كل هذا لم أجد شيء لأنني تركتك هنا وذهبت ابحث عنك في مدن الغربة وبين جدران السجون وخلف الأسلاك الشائكة وفوق الصليب.. لا ادري كم من الوقت مر .. كم اشتقت إليها رغم أنها قبل ساعات قليلة كانت بقربي تجلس أمامي تحدثني عن أحزانها وبكت على ذراعي كطفلة ضاعت لعبتها .. كم تمنيت ان احتضنها الى الموت ... رن جرس الهاتف .. صوتا نسائي اعرفه.
-اعتذر لعدم حضوري الموعد

حائرون


حائرون نحن ...
بين حوزتنا الناطقة
وحوزتنا الصامتة
حائرون ..
بين الدين والسياسة
بين لحيته مولانا الموقرة
والرجس والنجاسة
حائرون جداً
بين ان نهتف لرغيف الخبز
أو نهتف للدين والسياسة
ونحن لا زلنا ما ضين من انتكاسة
لانتكاسة..
محاصرون لا زلنا
بالعمائم
بالأسلاك الشائكة
بالدبابات
بأبناء المتعة والزانيات
جائعون لازلنا
محرومون.. خائفون
الى ألان.. لا نفهم معنى الحرية
الى ألان ليس لدينا أي انتماء أو هوية
ولازلنا كما كنا بالأمس
نصفق لكل فكرة غبية
نصدق لازلنا تراها تهم
عن مهدي يظهر
يحمل لنا الخبز والحرية
ونحن غارقون بدمائنا
بظلمة عقولهم الغبية
يسوقنا الى الحرب والموت
خاوية بطوننا
وعقولنا
وفراشنا
وليالينا.. لاتعرف سوى الأحلام الوردية
خبزاً .. سلامأ.. وحرية
نقول له يا مولانا.. يا سيدنا
نريد خبزا .. نريد حرية
لا شعارات واهية.. وزيفاً وبندقية
كرهنا كل شيء
كرهنا الدين
كرهنا الشعارات
والحروب بلا قضية
أعطونا قلما نكتب فكل ما نكتبه هو القضية
أعطونا وطننا ً كنا نحلم به
لا دينا صار عندكم كالمطية
كرهناه
كرهنا عمائمكم القادمة من خلف الحدود
كرهنا دينكم المليء بالكذب والاضطهاد
كرهنا لاحاكم ومرتزقتكم والجنود
تعالوا...
فالله لا يحتاج لهتافكم
ولا لكرسي حكم
أو مقعد بالبرلمان
ولا يحتاج لدولة
تقتل باسمه
وتزني باسمه
وتسرق باسمه
وتغتال باسمه
كل العصافير والفراشات
تعالوا وتعلموا من هذا النخيل
حب هذا الوطن
واغسلوا عن قلوبكم الحقد
بماء الفرات ودجله
وعانقوا كل طفل وطفله
وتعلموا منهم
حب هذا الوطن

بقايا ......


في محطة ما وقفت بعد رحلة طويلة، جسد متعب ووجه وثياب مغبرة.. كنت اشعر برغبة شديدة للنوم فأنا لم انم منذ يوم أو يومين أو ربما سنة.. استلقيت الحافلة الى حيث العودة .. إلى تلك الأرض التي غبت عنها طويلا..جلست على احد المقاعد، أغمضت عيني للحظات.. شعرت بحركة ما بقربي ..فتحت عيني ..أنها امرأة ليست غريبة عني.. نظرت لي .. بادرتني سائلة..

- الست أنت...

- قاطعتها .. نعم ..أنا...لم تدعني أكمل

- كيف حالك؟

- لا ادري ( استغربت جدا)

- أين كنت ؟

- لا ادري كل ما اعرفه أنني كنت مسافرا.. ارض بعيدة .. جبال شاهقة.. ووجوه باردة لا تحمل أي علامة للحياة ربما كنت ميتا واستطعت الخروج من القبر.. أو منفيا وعدت ابحث عن وطن.. أو لا ادري ..انطلقت الحافلة مبتعدة عن مدينة تدفن كل ليلة ألاف الضحايا في قبور سحيقة وتغسل وجهها بدمائهم كل صباح.. نظرت ألي بعينين سوداوين وسألتني

- لماذا تحمل كل هذا اليأس ؟

- لا ادري .. لكنهم أجبروني على ذلك.. لقد قيدوني بالسلاسل وطلبوا مني أن أكون حرا طليق.. ذبحوني بقسوة .. وصلبوني على جدران كراهيتهم وحقدهم وطلبوا مني أن لا اشكوا.. كنت أرى نظرات الشفقة في عينيها كأنها تنظر لشيء ميت أو كلب دهسته دواليب سيارة مسرعة..- كلا أرجوك أنني أفضل الموت ألف مرة على هذه النظرات .. أنني لا ابحث عن من يقول لي مسكين أنت.. كلا .. كلا .. أرجوك......

جثث


ذاكرة تعبه ويوم حار .. ومدينة خائفة..تقيئنا لمدينة أخرى ، على الطري الطويل سارت بنا سيارة تسابق ظلها دون جدوى ...سألني صديقي عن المدن الغارقة باللهو وأجساد النساء الطرية.. عن دمشق التي لا تخاف الليل .. صمت حاولت ان أعيد رسم الصورة في مخيلتي .. حاولت ان أتذكر أدق التفاصيل .. الحفلة الصاخبة .. في ملهى شبه معتمه ..وجسد نسرين الذي تبيعه للقادمين .. وحديثها الحزين بعد ان افرغت في جوفها قدح البيرة العاشر...."باعوني منذ ان كان عمري ثلاثة عشرا عاما .. في عمان لرجل سعودي .. كانت ليلة رهيبة .. الدم .. والألم .. والصراخ .. لم أكن اعرف حينها أي شيء ...أخذتني خالتي لشقة جميلة .. أثاث مرتب.. وجل كبير السن ..اخرج من محفظته حزمة من النقود دفعها لخالتي.. وغادرت كنت ارتعب خوفا..بكيت دون ان يهتم ..كنت أرى في عيونه شراهة متوحشة ..جرني بقوة من يدي الى حيث المقصلة ..فراش وفير ..أزاد بكائي .. وتوسلي

- عمو الله يخلي جهالك ..اتركني ..لم يأبه .. وذبح طفولتي .. وذبحني ..لم أرى أي دمعة تنزل من عينيها .. كنت اشعر ببروده استوطنت بروجها منذ زمن ...... حاولت ان امحي من ذاكرتي هذه الصورة الممزقة .. حاولت ان أنسى نسرين وجسدها المباح .. حاولت ان أنسى ليلة حزينة أفرغت فيها كل أقداح الخمر لعلي أنسى كل شيء.. فشلي .. ضياعي .. بحثي اللانهائي .. ورحلة حياتي التي تتخبط ..اذكر أنني ضحكت ليلتها .. نعم ضحكت .. آلما وحزنا .. حكيت لنسرين عن داليا ..تلك الأميرة العراقية التي هربت إلى القاهرة سألتني .. لماذا هربت ؟أجبتها

- كانت تخاف بغداد

- ماذا فعلت ؟؟ الم تحاول منعها...

- لم افعل شيئا .. هي اختارت الرحيل وإنا اخترت البقاء ..لأوقع على صك هزيمتي إلف مرة عاد صوت صديقي من جديد يمزق صمتي ..- لماذا الموت رخيص عندنا بهذا الشكل .. صديقي وأبوه اختطفوه قبل أشهر .. وبعد بحث طويل وجدوا جثتيهما عند نفس المكان الذي ذاهبين له ألان .. هل تتصور ان مصيرنا سيكون نفس مصيرهم ...لم استطع ان أشاركه حديثه هذا .. كنت أرى أمامي حشودا بشرية مقطوعة الرؤوس تقف عند باب الله المغلق .. تطرقه دون جدوى .. حتى جسد نسرين كان يقف بين الحشود .. تحسست راسي .. لايزال في مكانه .. تراجعت شعرت بخوف شديد يستبيح قلبي.. هربت مبتعدا .. أغمضت عيني .. تعثرت قدمي .. سقطت .. ألح عل أذني صوت أطفال تتصايح.. كانوا يعلبون كرة القدم .. صوت دوي انفجار هائل.. كان مشهدا مرعبا .. دم .. صراخ... صراخ .. هربت كان جسدي ينزف أيضا .. بقع دم في كل مكان .. حتى في ذاكرتي .. رؤوس وأصابع مقطوعة ..توقفت السيارة عند حاجز للتفتيش.. فتشوا كل شيء.. حتى أفكارنا

- عن ماذا تبحثون ؟؟أجابهم صديقي

-نحن صحفيان جانا من اجل التحقيق عن الجثث التي يعثر عليها في نهر دجلة.يجب ان تكون عندكم موافقة خطية ..ممن تساءلت مع نفسي من القاتل أم من المقتول .. ها ترانا ننتهك حرمتهم .. نمزق هدوء طقوس دفنهم اللامعلنة .. غرباء في وطنهم.. وغرباء في موتهم .. وغرباء في قبورهم ترجل صديقي من السيارة وبعد مفوضات مضنية سمحوا لنا بالمرور لمدينة تشيع موتها بصمت .. وتحت الجسر الجاثم على دجلة .. وقفنا عثروا هذا الصباح على أربعة جثث .. مكبلة ومقطوعة الرؤوس .....- داليا بغداد جميلة رغم كل شيء- لا استطيع منع نفسي من الخوف .. أخاف من كل شيء ليلها الميت .. موتها اليومي .. تذكرني كل يوم برحيل والدي .. اذكر انني توسلته كثيرا ان لا يرحل .. لكنه رحل أخذته مني بغداد بحزنها همومها التي لا تنتهي..- داليا مع ذالك لا تتركي بغداد- لم اعد احتمل ..لون الدم يطغي عل كل شيء

- داليا ..إنا احبك....

- لا وقت هنا للحب .. كل شيء مباح هنا .. القتل الحرب الدمار .. إلا الحب التقط صديقي الكامره وبدأ بالتصوير .. رائحة تزكم الأنوف .. وعيون مقتلعة ..سمعت صوت مرافقنا كل يوم نجد جثث .. أطفال ونساء .. ورجال .. اغلبها مقطوعة الرؤوس وعليها اثأر التعذيب.....

- داليا العراق جميل حتى في موته لا تتركيه ولا تتركيني .. أعياني البحث عنه وعنك.

- لا استطيع صدقني لم اعد احتمل لم استطع منع نفسي من البكاء ....حاولت ان أوقف هذا الصخب .. رقص مبتذل وغناء .. كنت اشعر بالدوار .. بالهزيمة أمام زجاجة الخمر الجاثمة أمامي .. ماذا يفعلون تركت وطني خلفي يحترق .. تركت أجسادا يمزقها الموت والحرمان ..- نسرين هل تحبين العراق ؟؟..

- العراق .. الله .. لا تتصور كم أحبه .. رغم انه حرمني من طفولتي-لكنهم لا يحبونه .. يكرهونه

- تعرف .. رغم انني تركته منذ زمن بعيد .. وتنقلت بين عمان واليمن ودبي وسوريا .. لكنني لم اجد اجمل منه العراق .. اه كم اكرهه لانني لا اجد فيه غير الحزن والالم والصامتين ..لاشيء فيه سوى الموت والجثث .. جثث في كل مكان عاد صوته من جديد يعيدني الى حيث الموت..."قبل ايام انتشلنا جثة صبي لم يتجاوز العاشرة .. اطلاق ناري في الراس ..توسلت صديقي ان نغادر ..لم اعد احتمل ..وغادرنا تشوشت ذاكرتي من جديد لم اعد اذكر شيء .. كان كل ما فيها جثث مكبلة .. وأشلاء ممزقة .. ودعت صديقي عند الشارع العام كان علي العودة الى مدينتي التي تركتها منذ زمن ..

- ربما لن تراني بعد هذا اليوم الا جثة مكبلة.......