الأربعاء، 16 يوليو 2008

اعتذر لفقدك



ذاكرة الجرح والألم لاتزال تنزف وأثار القيد باقية تحفر في داخلك نهرا من الحزن ؛ بالأمس القريب حَمَلتْكَ نفس الوجوه مقيدا لمنفى بعيد بعد أن أدانوك بتهمة الهروب من جحيم الوطن .. واليوم حَمَلتكَ إلى منفى بعيد أيضا بعد أن أدانوك لأنك حلمتَ بوطن. للحظة تذكرتَ التل والمقبرة المهجورة التي تعتليها، والطابور الصباحي والأبواب المغلقة وساعات الانتظار وكل لحظات الحزن المدمي بالخيبة والعطش والجوع.. تذكرت ذلك الجرو الذي حسدته كثيرا لأنه عبر الشرك الذي يحيط حلمك وذاكرتك وخيالك .. وارتسمتْ أمامك قاعة الأشباح حيث كان يُعزلُ فيها المرضى.. أجساد هزيلة تنتظر الموت ولا احد يأبه بها.تذكرتَ انك بكيتَ مرة واحدة حين علمتَ انه فقد ساقه؛ تذكرتَ أخر كلماته حين زارك متكئاً عل عكازه ليقول لك: سألحق بك أينما تكون يا ولدي!!كانت رجله المعطوبة تنزف مثل عمرك. ودّعك، كان يجرجر بصعوبة أقدامه، تمنيتَ لو انك لحقتَ به واحتضنتَه ربما زال عنك لحظتها ألم القيد وأزاح هذه الجدران التي حالت دونكما.هناك في ذلك الشرك علمتَ أن قدمه أكلها المرض فقرروا بترها. بكيتَ بشدة لحظتها، تمنيت لو كنتَ بقربه حينما عرفتَ بأنه كان يردد اسمك وهو تحت تأثير المخدر.. لعنتَ إلف مرة هذا السجن وهذه الأسوار وقبل كل شيء لعنت هذا الوطن.اليوم وأنت بين هذه الجدران وبعد أن استقر هو تحت التراب.. تراءى أمام عينيك كيف كان يصارع الموت بقوة وعناد كعادته. كنتَ تجلس بقربه ولأول مرة تمنيتَ لو اعترفتَ له بأنك لم تحب أحدا بحياتك مثلما أحببته، فقسوة قلبك تخفي تحتها مشاعر جياشة تخاف من أن تظهرها..تمنيتَ لو انه سامحك، فقد خيبتَ أمله كثيراُ. آخر مرة كان بودكَ أن تصرخ على سجّانك:" اتركه لي .. لقد سلبتّ مني كل شيء ..عمري وأحلامي..لم يبق لي سواه .. لم اشعر يوما بطعم وجوده.. لم اظهر له حبي يوما.. كم احتاجه الآن.. اتركه لي .. أريد أن اسمع صوته للمرة الأخيرة "رأيتَ دمعة نزلت من عينيه ..كأنه شعر بكل ما يجول بداخلك وكأنه سمع أمنيتك...لكن الموت لم يترك له متسعا ..حاول مقاومته.. إبعاده عنه، لكن جسده الذي احتله المرض لم يقوَ على مقاومة الموت حتى النهاية.. فتوقف كل شيء ليرحل إمام عينيك وأنت غارق بعجزك وفشلك..ترى الموت ينتزعه منك بكل قسوة دون أن تفعل شيء.. بعدها هربت كعادتك .. لم تتحمل فكرة انك لن تجده كل ليلة بانتظارك ليسألك كالمحقق .. أين كنت؟ .. لماذا تأخرت؟حتى السيجارة لن يكون لها طعما ..كنت تدخنها في الخفاء كيلا يراك واليوم صار بإمكانك أن تدخنها أينما كنت. لقد فقدته إلى الأبد وهذا هوا عذابك وعزاؤك .. وحتى الآن وأنت مرمي خلف هذه الأسوار العالية تلازمك صورته كل لحظة .. تسائل نفسك: ماذا تراه يقول لو كان موجودا؟.. بالتأكيد سوف يكتب لك رسالة كما فعل من قبل يعلن فيها انه يفخر بك لأنك شجاع، لكن هذا لن يخفف لديك الشعور بالهزيمة المريرة..في المرة السابقة علمتَ من أمك بأنه كان يبكي كل ليلة لفراقك حتى مات...

ليست هناك تعليقات: