الاثنين، 21 يوليو 2008

الجدار





صغار كنا ..
نلعب بالقرب من حائط
شاهق الارتفاع ..
قاماتنا الصغيرة ...
تحرمنا من معرفة ما خلفه
ومخيلتنا .. المملوؤة بالحيرة
تتوقع اشياء كثيره
قصرا وحدائق
ونساء واطفال
او اسلحة وجبهات قتال
ويبقى السؤال ..
ما خلف الحائط ؟؟
وهو منذ زمن واقف صامت ..
مثل رجل عجوز ..
فقد شبابه والذاكرة ،
عالمه الغامض ..
يثير في عقولنا
الاسئلة ..
قال محمد :
خلفه جنود تموت ..
وساحات قتال ..
لكن علي قال :
خلفه سجن كبير
يبتلع عشرات الرجال ..
لكنني كنت اتصور
ان خلفه وطن جميل ..
وحدائق واطفال ..
لاتعرف ما الحرب ،
وبعد سنين ..
وفي يوم عاصف
سقط ذلك الواقف
لم نجد خلفه ..
الا سجن مهجور ،
ونوافذ محطمه ..
وعبق الموت والذكريات
تملأ المكان ..
وبقايا كلمات وقصائد ..
خطت على الحيطان ،
لا زالت اصواتنا .. وحيرتنا
الى الان ،
عن ذلك الحائط الشاهق الارتفاع ..
وعن الغموض
الذي يحيط بذلك المكان ..
عن كل شيء جميل ضاع ..
عن احلامنا ..
عن وطننا الذي اختفى خلف
هذا الشاهق الارتفاع ..

************

عندما تغادرين ..
سأكتب وصيتي
على هذا الجدران ..
ميت بعدك ..
في داخلي الانسان ..

*************

ارقبه ...
قادم من بعيد ،
مغمض العينين ..
لا يفرق بين احد ..
في احيائنا التي تنفست الموت ..
صباحا ومساء ..
وهم بعد حين ..
سيرحلون ..
ليسألوا الله ....
ماذا فعلنا لتقتلنا كلابك ..

**************
وجهي تغسله ..
دموع العابرين ،
نحو وهم جديد
يدعى وطن ...

*************

ما عدت استطيع ان ارسم
على وجهك ابتسامه ..
اصابعي مقطعة ..

**************

سأعبر بلا انتهاء ..
نحوكم ،
هذا المساء ..
كالدم المراق ،
حاملا معي ..
جراحي ..
اوراقي ،
وبقايا اشعاري ...
سأوزع عليكم
قصائدي ..
وبقايا حنيني ...
واحكي لكم ..
قصص واساطير
عن وهما يدعى الوطن ..
فإنتظروني ..

**************

صغار كنا ،
لا نرسم في كراريسنا ..
سوى الاسلحة ..
وساحات المعارك
والجنود ،
لم يعلمونا ان نرسم
اشجارا ،
او حدائق وردود ..
سرقوا طفولتنا منا ،
سرقوا الوطن ما ..
وعندما كبرنا
لم نجد شيئا ..
يستحق البقاء..

الخميس، 17 يوليو 2008

لا احد ينتظر هناك


دوي .. ضجيج .. بكاء .. وعويل نساء لا ينقطع .. لم اكن اشعر بشيء .. كنت مذهولا اقف وسط جموع صاخبة من رجال ونساء واطفال كانوا مذهولين من هول الصدمة .. تلفتوا يميناً وشمالاً .. بعدها صاحوا بصوت واحد .." هو من فعلها "
ركضوا نحوه تجمعوا حوله كان يبدو انه مذعوراً بشكل لا يصدق .. لم يحرك ساكناً .. ظل مستسلماً لهم .. كان لايزال يقف عند هيكل معدني محطم تشتعل النار في بعض من اجزائه ، امسكوه اخذوا يضربونه ويركلونه بارجلهم ... كنت اسمع صوت بكائه وتوسلاته التي لم تشفع له عندهم ..
ازادا زعيق سيارات الاسعاف .. كنت لا ازال اقف قرب شيئاً تناثر ولم يبقى منه سوى بقع حمراء و اجزاء متقطعة .. اقترب مني رجل شرطة كانت تختلط في وجهه علامات الحزن بالقرف ... ابتعد وهو يتمتم كلمات قليلة " الله اكبر ".
لازلت اسمع صراخهم وهم يضربونه بقوة ويتسألون " لماذا فعلتها ؟؟" .
ازاد الضجيج من حولي ومعه ازادت اصوات البكاء والعويل .. كنت ارى رجل يبكي بشدة وهو يردد اسماء ابنائه وطفل يبكي على والده ..وامراة تنحب على ابتها التي سوف تتزوج غداً.. اقترب احدهم .. كان يضع كمامة على انفه ويرتدي قفازات بلاستيكية حليبية اللون انتشرت فيه البقع الحمراء ، اخذ يجمع بقايا ذلك الشيء الذي كنت اقف بقربه كان يبدو انه كمن يجمع النفايات فعلامات القرف والانزعاج مرسومة في عينيه .. وضع كل تلك الاجزاء في كيس اسود .. توقفت تلك الجموع الغاضبة عن ضرب ذلك الذي يقف بقرب الهيكل المعدني الذي لا يزال مشتعلا .. كانوا مثلي منشغلين بمراقبة ذلك المشهد رجال شرطة يتراكضون هنا وهناك ..و الرجال المكممين الذين يلتقطون الاجزاء المتناثرة .. ورجال اخرين يحملون خراطيم المياه ليطفئوا الهياكل المعدنية المشتعلة .. وسيارات الاسعاف التي لم تكف عن الزعيق ، التفت نحو ذلك الذي اوسعته الجموع الغاصبة ضرباً .. كان لايزال مشوشا يتلفت يميناً ويساراً ، كان وجماً .. نظراته كلها رعب وخوف وكأنه يترقب شيء تأخر حدوثه او انه ينتظر احداً تأخر عن الحضور.. تحركت من مكاني الذي كنت اقف فيه لفترة لا اعرف طولها .. اقتربت منه .. ازاد توتره اخذ ينظر نحوي برعب ، حاول ان يتراجع لخطوات الى الوراء .. لكن شيئاً ما منعه ، وقفت بجانبه لم انطق بأي كلمة ابتعد عني قليلاً ، اقترب رجل يحمل خرطوم ماء اطفأ النار التي كانت تشتعل باجزاء ذلك الهيكل المعدني الذي كنا نقف بقربه .. نظرت له بعدها نقلت نظري الى تلك الحشود التي بدأت تتناقص شيئاً فشيء.. خرج مني كلمة كان وقعها كوقع الصاعقة عليه ..
- شكراً لك ....
التفت لي وكأنه لا يصدق ما سمعه لكنه لم ينطق بأي كلمة، كان ينظر لي بحذر .. اكملت بهدوء دون ان انظر له :
- لقد فكرت اكثر من الف مرة بالتوقف والتخلص من ذلك الشيء الكريه ، لكنني لم أكن املك الشجاعة الكافية.. لم استطع ان افعلها لاخرج من هذ اللعبة اللعينة ..
كان لا يزال ينصت وكأنه تناسى خوفه وذلك الشيء الذي كان ينتظره بقلق واضح ، كان الهدوء يعود تدريجيا الى ذلك المكان.. وقبل ان اكمل اقترب من الهيكل المعدني الذي يقبع خلفنا رجل يحمل الة تصوير .. دار حول الهيكل وبعد دقائق قليلة غادر ، انتشر رجال الشرطة حول المكان .. بينما غادرت سيارات الاسعاف .. لم اكن ارى احد من ذلك الجمع الغاضب الا قليل من الاطفال التي لاتزال تلعب وتتراكض هنا وهناك وتتعالى اصوات ضحكاتهم .. وبعض الرجال والنساء المسنين الذين افترشوا الارصفة كف الجميع عن البكاء وكأنهم ادركوا ان الشيء الذي سلب منهم عنوة لا يستحق ذرف دمعة واحد ة ، كانت نظراته لاتزال غير مستقره فتارة ينظر لي وتارة اخرى يتطلع لما حوله بحذر .. اكملت حديثي الذي لم اكن انتظر منه اي رد ...
- يلومك الجميع على فعلتك ويسائلون لماذا فعلتها ؟؟ وانا الوحيد الذي لا يحب ان يعرف لماذا فعلتها فهذا امر يعنيك وقد تكون مخطأ ً.. مدفوعاً بوهم كبير ووعود فارغة ولكن ما يعنيني في الامر كله هو هذا المكان الذي وصلت له وهذه الحقيقة التي عرفتها بعد حين ، والشيء الاخر هو انني تخلصت من ذلك الشيء الكريه الذي حبست في داخله لاكثر من ثلاثين عاماً .. كم كنت اكره ذالك الشيء المترهل وتلك الملامح القبيحة ..
كان لا يزال ينظر لي بإستغراب شديد لم ارى في ملامح وجهه المرتقبة بخوف اي رغبة في الكلام .. ربما كان نادماً ، وربما شعر اخيراً انها كان مجرد احمق انصاع بلا شعور لاشخاص مخادعين زرعوا في رأسه اوهام لا حصر لها وهو الان يقف محتاراً بعد اكتشف انه لم يفعل اي شيء سوى انه كان السبب في كل هذه الفوضى .. اتصور انه يراجع حساباته ..قد يردد مع نفسه يا الهي ما فعلت ؟؟
لكنني واصلت حديثي وهو واصل انصاته لي لكنه اخذ ينظر الى الارض اكثر مما ينظر لما حوله كما كان في السابق ..
- هل تراك تتسأل مثلي عن مغزى كل هذا .. انا كنت اتصور ان ما يأتي بعد الحياة هو السلام والهدوء .. الحرية .. الا تعتقد اننا وجدنا محبوسين في اجساد كريهة وفي حياة لم تكن لنا اي حق في الاختيار " صمت للحظات وبعدها اكملت حديثي سائلا " الا تعتقد اننا نطارد الاوهام .. حتى انت كنت تطارد وهماً كبير .. انظر حولك ماذا حدث ؟؟ كنت تتصور ان احداً سيكون في استقبالك .. يهلهل لك " ضحكت واستدركت قائلاً " لكنه لن يأتي صدقني ..
اتصور انه بكى .. لا استطيع ان اتخيل شعوره . شعور رهيب بالخديعة .. بالفشل .. كانت يتصور انه سيجد كل ما وعدوه به ، لكنه لم يجد الا الفراغ والانتظار السحيق ..
- اتعلم انني منذ سنوات انتظر هذه اللحظة .. لحظة الخلاص، سنوات مرت وكل سنة لاشيء تحمل الا المزيد من اللعنات .. كنت اتصور ان هولاء افضل ممن سبقوهم لكن لا شيء تغير وجوه قذرة ملساء ذهبت لتحل مكانها وجوه قذرة ملتحية ومزيداً من الاوهام .. وهم يتبعه وهم وسلسلة لا تنتهي..
انهار فجأة .. وخر جالساً .. سمعت بكائه الممزوج بيأسه، لحظتها شعرت بالضيق وربما الشفقة عليه لانه لم يجد الا الوهم بأنتظاره .. تركته في مكانه ينتظر احداً لن يأتي غادرت مبتعداً عنه كان الاطفال لا يزالون يلعبون في نفس المكان كنت اسمع صوت ضحكاتهم التي طغت على كل الاصوات .. لم اكن اعرف في ليل ام نهار نحن .. لكني كنت اشعر بالغبطة فهذا العالم المجهول الذي يخشاه كثيرين جميلُ وهادىء بشكل لا يصدق فقد غادرته تلك القوى المجهولة .
اذار \2007
بغداد

رائحة الخبز




للحزن ذاكرة لا تمحى فيها الصور مهما تقادمت ، اذكر انني حاولت كثير ا ان اتخيل لك الجسد
وذلك الشعر الطويل وتلك الرائحة التي يختلط فيها عبق حقول الحنطة مع رائحة التراب المبلل .. كنت صامتا لا اجد اي كلمة اقولها امام كلماته المتدفقة كانها اعتراف رجل يحتضر .. رغم انه حاول جاهدا ان يخفي اشياء كثيرة حاول ان يبقيها سرا يحمله معه الى قبره .. صمت للحظات .. تاركا للدخان يدخل فمه ليخرج معه سيل من الكلمات .. كانت سيجارته شارف على النهاية لكنه اشعل ببقاياها سيجارة اخرى ..
" اذكر انها دخلت الى مكتبي ذات صباح .. وجها متعب وعيون ذابلة تحفي خلفها حزن عميق .. كانت متشحة بالسواد .. لا زلت الى الان اذكر لون عبائتها التي اختلط السواد فيها باللون الرمادي .. لم ارى في حياتي جمالا مثل جمالها ، جمال اطره حزن موغل بالسنين .."
كنت لا ازال صامتا اراقب ارتعاشة يده التي يضع بين اصابعها سيجارة يقربها بين كلمة واخرى من فمه ليسحب منها نفسا عميق .. كانت عيونه تتحدث قبل فمه .. وقبل ان اسئله عن ملامح وجها بدأ يرسمها امامي بكلماته وملا مح وجهه التي ارتسم عليها حزن عميق ..
" كانت سمراء بلون الحنطة .. انف دقيق .. وفم مرسوم ..و عيون سوداء واسعة .. عندما رايتها ذكرتني باهوار الجنوب ونخيل البصرة.. وبيوت الطين في العمارة .. كانت تختزل الجنوب كله .. جماله وانهاره .. وعبق حقول الحنطة واحزانه واشعاره الغارقة بالحزن والحنين لوطن .. كانت لوحة رسمها شاعر شعبي ورسام ومغني جنوبي يغني باطوار الحياوي والمحمداوي .. منذ اول لحظة رأيتها فيها خفق قلبي .. وشدني اليها كل شيء .. حتى صوتها الذي خرج منها على استحياء"
كانت سحب الدخان تحجب عني جزء من وجه ، لكني لازلت انصت لكلماته ..احول رسم صورتها في مخيلتي كنت اتمنى لو انني استطيع ان اغمض عيني لكي تكتمل ملامحها لكنني لم استطع فملامح وجه التي تتزاحم عليه قبائل من الاحزان جعلتني اتامل وجهه اقرأ من خلاله قصة امراة تختزل مدن عديده باحزانها وهمومها وحتى لحظات الفرح القليلة .
" يومها اهتميت بقضيتها لدرجة احست هي بذلك كانت وعندما همت بالمغادرة شكرتني لكنني طلبت منها اخذ رقم هاتفي لتتصل بي متى ما احتاجت لاي شيء والشيء الذي افرحني كثيرا انه لم تعترض بل انها اخذته وهي تحاول ان تخفي فرحتها به او انني هكذا تصورت .. لا ادري لماذا شعرت حينها انها احبتني او انها شعرت انني وقعت في غرامها.. بل انها عرفت بكل ما جال في داخلي.. وغادرت .. حزنت لرحيلها لكن ما خفف حزني امرين الاول هو انني كنت واثقا انها سوف تتصل بي و الاخر هو انني كنت اعرف عنوان بيتها الذي دونته في اوراق قضيتها .. مرت ايام ثلاث وانا انتظر ان اسمع صوتها عبر الهاتف .. كانت هذه الايام كأنها دهور، كنت كل صباح عندما اتوجه الى عملي لا شيء افعل سوى انتظار مكالمتها حتى عندما اضطر لترك مكتبي اوصي زميلي بانني انتظر اتصال مهم ان اتصل بي قل لهم موعد رجوعي الى المكتب .. في اليوم الثالث راودتني فكرة الذهاب الى منزلها سوف اتحجج باي حجة حتى لو انها لن تستقبلني المهم ان تعرف انني افكر بها وانني لن اتوقف عن محاولة الوصول لها ..و لكن حدث ما كنت انتظره .. رن جرس الهاتف .. كانت هي لم اصدق كدت اطير من الفرح حتى انني كنت اريد ان اعاتبها عن كل هذه الايام التي مرت .. لكن ما كبح جماح اشتياقي لها ما قالته كانت واثقة تماماً .. لدرجة انها كانت تتكلم وهي تشعر بانها قد انتصرت علي ..
- لقد كنت تنتظر هذا الاتصال بفارغ من الصبر وكنت اعرف ان انتظارك طال ..
حاولت ان ابين لها انها على خطأ وانني لم اكن انتظر اي شيء .. لكنها ضحكت ..
- لا تكابر اعترف بانك كنت تنتظر هذه المكالمة ..
لم استطع الاستمرار .. لم استطع المقاومة اكثر .. كنت اشعر امامها بضعف شديد لم استطع ان اخفي اي شيء اعترفت لها بانني كنت قد قررت ان أتي الى بيتها هذا اليوم اذا لم تتصل وانني كدت اجن .. ضحكت بدلال وقالت
- كنت اتوقعه منك هذا .. بل كنت اتمناه ..كنت اعرف انك تفكر بي منذ اول لحظة وقعت عيناك علي شعرت بان ذبت فيه ..
لا اعرف ماذا حدث لي لحظتها استسلمت امامها بسهولة لقد عشقتها لحد الهيام .. استمرت مكالماتنا لاشهر كانت ترفض اي لقاء عرفت عنها كل شيء وهي كذلك .. كانت تقول لي بما تفكر .. وبما تشعر.. لقد احببتها اكثر .. استطعت اقناعها باللقاء والتقينا .. كنت مثل مراهق يواعد لاول مرة اشتريت ملابس جديدة .. تعطرت بارقى عطر، استمر اللقاء لساعة واحدة قلت فيها احبك مئات المرات .. رغم انها كانت متحفظة لكنني ايقنت انها تحبني بعدها التقينا مرات عديدة حكت لي قصة حياتها بتفاصيلها وكيف انها تزوجت من ابن عمها الذي مات في الحرب منذ ما يقارب عقدين تاركا لها اربعة ابناء تزوج اثنين منهم.. عرضت عليها ان نتزوج بشكل سري بسب كما تعرف انني متزوج ولي اطفال.. رفضت في البداية بشدة حتى لوكان زواجا علني ولكنها وافقت بعدها بأشهر .. كنت اعرف انها سوف تستسلم لي في النهاية كنت اشعر بتلك الرغبة المكبوته منذ سنوات .. اتفقنا على السفر الى كربلاء لنتزوج على يد احد رجال الدين لم تكن هناك ورقة مكتوبة اوعقد مجرد شهود اثنين حتى انني لم اعرفهم لكنها كانت راضية بكل شيء..
بعدها قضيتا ليلة في احد الفنادق .. طلبت مني انا اغادر الغرفة لنصف ساعة لم اسألها لماذا غادرت .. وعندما عدت تفاجأت .. جسد فارع يغطيه شعر يصل الى اغمس قدمها .. كانه جسد فتاة في العشرين
قالت لي انها تفرد شعرها على كتف رجل منذ وفاة زوجها.. وانه منذ رحيله وهي صائمة عن الرجال قضيت مها ليلة لن انسها ابداً.. ولكن ما شدني اليها رائحة جسدها الذي يشبه في شذاه رائحة الخبز الحار .. كنت كلما التقيها اشم جسدها لازلت اتذكر تلك الرائحة سألتها لاكثر من مرة عن سر هذه الرائحة لكنها لم تعطيني اي جواب مقنع تصورت في الباديه انها تستخدم عطرا ما لكنني مع الايام اكتشفت ان رائحة جسدها مثل رائحة الخبز الحار ، استمر زواجنا لاكثر من سنة بعدها افترقنا بسبب ظروفي..خاصة بعد تركي للعمل..لم اراها بعدها لكني الى الان دائما عندما اشتاق لها ولرائحة جسدها اشم رغيف خبز حار .. احيانا اتوقف عند اي مخبز واطلب من الخباز رغيف خبز للتو اخرجه من الفرن اشمه واتذكرها ..
كنت لا ازال صامتا انظر الى عينيه المخنوق فيهما الدمع .. ولم استطع ان انطق اي كلمة ،وفي انفي اختلطت رائحة القمح والطين رائحة جسدها .. الذي لايزال يذكره كلما شم رغيف خبز حار..


اذار- 2007
بغداد








ما بيننا
أن ما بيننا
غموض ..
ولغة حوار خرساء
وسراب
ومدن لاتشرب غير الدماء
ومسافات شاسعة ..
وقارات
لاتعرف غير الحروب والجوع والبغاء
وشعوب تحلم برغيف خبز
والهة خبز لا تعرف الفقراء
ان ما بيننا ..
زمن لازمن له
ومكان لا يعرفه المكان
وحديث أصم
تموت فيه الكلمات
فوق أسطح ميتة
وحبا لاتعرفه غير هذه الشاشات
أن ما بيننا
أبحر من دموع
وموانئ خيبة
وسفن انتظار
وقبور مهجورة
وشوارع مقفرة
ومدن لا يفارقها الموت لحظة
أن ما بيننا
أشلاء مشاعر
وجثث من الكلمات
وحب ولا حب
وخوف ولا خوف
ورعب ولا رعب
ولقاء يأتي
ولا يأتي
وهما
احسبه حب



من اعترافات رجل على حافة الحب


((أنا منفيا داخل نفسي وخارجها.. ميت حي .. مبصر اعمى .. في حوار ابديا اخرس مع موتي في رحلة الليل والنهار)) عبد الوهاب البياتي


بعد ان قرأت اعترافي ... ماذا قلت عني ؟؟؟؟
صحيح ان حزنا اصابني مصحوبا بندم شديد ... يا الهي ماذا فعلت؟؟؟؟
ماذا ستقول عني ... مجنون ... ام احمق...
ففي وطنا يباح فيه كل شيء... القتل والدمار ..التهجير والتعذيب والخطف ... الا الحب فهو محرم ...
فلحاهم القذرة وعمائمهم التي تخفي تحتها غباء وجهل وحقدا وكراهية ..تبيح لقاتليهم كل شيء ... دمنا ولحمنا .. جلودنا .. وخبز وسنابلنا .. لكنها تحرم الحب ... لانه يسمو فوق الاشياء .. ولا تحده الاماكن .. ولا يعرف المذهبية او الطائفية .. ولا تحده فدراليات الظلام ....

فهل يوجد حب في وطن مصادر ... محتل ... مباح ... يبيعه المعممين والمحجبين والملتحين ....
هل يوجد حب سيدتي في وطن يفطر على الدم ..وينام على الدم .. ويشرب الدمع والدم .. ويتنفس الدخان ...وطنا من شماله لجنوبه جرحا ينزف ...
ثم هل هذا زمن الحب والاميرات والشعراء الحالمين ... ام انه زمن القتل والارهاب ..والسراق والسياسيين السفلة ورجال الدين المدمنين على الدم ..
وهل هذا عراق الورد والعصافير .. ام هو عراق المفخخات ودوي القنابل والموت المجاني ...
ربما اكون مجنونا لانني احمل وردة في زمن القتل ...فانا اقف وسط جموعا من الحمقى والمجرمين الذين يحملون خناجر تقطر دما .. وانا الوحيد الذي يحمل زهرة بيضاء وقلبا ينبض حبا وحنين .. لاقدمه لك ......
فمن هو المجنون .. انا ام هولاء .. ام انت ..لانك ان قبلتي هذه الوردة وهذا القلب مني فهو الجنون بعينه ..
سيدتي
وحدي انا ارسم عراقً اتقاسمه مع كل الفقراء ..عراق ينبض حبا مثل قلبي .. عراق يلف ذراعيه حول كل هولاء الخائفين .. الباحثين عن وطناً بين هذه الانقاض ..
وحدي انا ... كل مساء ..اطرق ابوابهم تاركاً عندها ارغفة روحي وقلبي عسى ان تشبع جوعهم.. ولكني في الصباح اجدها في مزابلهم دون ان تاكل منها احد ... لان لا مكان للحب في وطنا يقتل فيه الحب كل لحظة ..لا مكان للحلم في وطنا يغتال فيه الحلم كل مساء ..
اميرتي
ربما تسألت مع نفسك اكثر من مرة ..
ما يردمني رجل يطل بكلماته من خلال شاشة باردة ..يزرع ازهاره في ارض لم تذق غير طعم الجثث .. ولكن حتى انا لا ملك أي اجابة لتساؤلاتك هذه ..
لانني وجدت نفسي مصلوبا على صليب كراهيتهم معي وطني وشعب يحلم بالخلاص بعد ان دقوا مسامير الخيبة في جسدي ..
ولكني رايت وانا انزف عمري ووجودي من فوق الصليب وجه "مريم " يمسح بنظراته كل جراحي .. فتطيب .. ويزل عني كل الالم ...
وعندما انزلوني من الصليب .. رموني خلف اسلاك كراهيتهم الشائكة ..اسوار عالية وساحة مربعة تخافها الشمس .. اذكر انني فاوضتهم طويلا على قصاصة جريدة زينتها صورتك.. وجه يختزل فيه كل احزان العراق وغربة اهله وحنينهم لوطن معافى .. وبعد الحاح مني قبلوا ان يمنحوني تلك القصاصة التي كانت هي كوتي الى عالم الحرية ...
كنت اتامل كل مساء ذلك الوجه الذي رسمه الله بدمعه ..لانني عشقت من خلاله كل العراق واحزانه ..ودجلته وفراته ..لانني عشقت من خلالك كل نخيله الباسقات ..
كنت ارى في عينيك "وطنا الدمع " غدا ياتي يغرد فيه طائر الحرية .. ليحملني خلف هذه الاسوار العالية .. لعلي التقي بك .. رغم انك تسكنين ثنايا روحي
وبعد كل هذا هل تراك لا زلتي تتساءلين من

من اوراق رجل على حافة الحب


عذراً
لانني اقتحمت حياتك مثل عاصفة
ولانني افشيت بسر حبي لك لكل العصافير
ولانني رسمتك على كراريس الاطفال .. وردة
ولانني اتخذتك وطناً ..بعدما استباح وطن كل الكلاب الجائعة التي قدمت من خارج حدود هذا القلب
ولانني ابدلت كل نخيل العراق بك
ولانني استعنت بعينك عن ليل العراق الموحش
فهل ما فعلت عين الصواب؟؟؟؟
ربما لا يتسع وقتك لكلماتي ... ربما انت امراة تركت خلفها كل شيء حتى قلبها
ولكن يا اميرة
تركت لهم كل شيء ... وطني ..دجلة والفرات .. وقبائل تتصارع
وذئاب تنهش لحم اهلي .. لكنني لم اترك معبودتي تاتي حلمت بها مثلما حلمت بالحرية
صاحبة الوجه الحزين الذي انساني عذابات سجني
احبك ..سابقى
لان حبك هو الفرحة والعزاء
هو الوجود

من اعترافات رجل على حافة الحب




كنت قد قررت قبل ان اسمع صوتك .. ان اتوقف .. او احاول هذا ..قلت معي هي لن تهتم لكلماتي .. لمشاعري تجاهها
ولا اخفي عليك انني حزنت جدا .. لانك كنت لي الوطن والانتماء
تخيلي اميرتي ان يعيش المرء بلا وطن .. وان لا ياكل من خبز روحه احد
الى ان خرج صوتك من سماعة الهاتف كعصفور طرت معه الى كل الافاق .. كان صوتك جزء لا يتجزأ من حياتي ..حمل لي الفرح .. والغبطة
كان كصوت مأذنه ..او جرس كنيسة
لا تتصورين مقدار فرحتي .. اصبح الحلم حقيقة .. صارت تعرفني .. تتحدث معي عن حياتها ..همومها ..وعشقها للعراق الذي اتمنى ان اشاركه في هذا العشق .. اتمنى ان اجد في قلبها ركنا صغير اغفو فيه .. اكمل كتابة قصائدي
كنت اتمنى ان لا انطق بكلمة واحدة .. استمع فقط لذلك الصوت القدسي الذي حملني بعيدا ليذكرني بصوت دجلة هو يبوح بحبه لمدن الجنوب الحزينة بعد ان يجتاز سدة الكوت

شكرا لك
فصوتك حمامة بيضاء حلقت في عالمي
لم اكن اتصور ان امراة تعمر وطنا في داخلي .. تخترعه ..وتمنحه شمسها وحضارتها
شكرا لانك .. وطني
وجهك وطني ..صوتك وطني .. وفي هذا الوطن ولدت
وفي هذا الوطن اتمنى ان اموت
عندما تحدثتي عن الموت .. حزنت جدا
اخاف ان افقدك
اخاف ان افقد وطني
وتاريخي الذي ابتدأ لحظة احببتك
احبك
يا وطني
ويا نصفي